الدكروري يكتب عن الخليفة المأمون
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية كما جاء في كتب السيرة النبوية الكثير عن الخليفة العباسي المأمون، وقيل أنه قد شهد عهده ازدهارا بالنهضة العلمية والفكرية في العصر العباسي الأول، وذلك لأنه شارك فيها بنفسه، واتسمت سياسة المأمون بأنها جمعت بين المواقف المتناقضة التي يصعب التوفيق بينها، وهو الذي أظهر القول بخلق القرآن وامتحن الناس عليه، وبه كانت محنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وأم الخليفة المأمون كانت أم ولد اسمها مراجل الباذغيسية وقيل أنها قد ماتت في نفاسها به، وقد ولد الخليفة المأمون في شهر ربيع الأول سنة مائه وسبعين من الهجره، في نفس الليلة التي توفى فيها عمه موسى الهادي الخليفة، ولذلك يقال لتلك الليلة إنها ليلة الخلفاء، لأن فيها مات خليفة.
وولد خليفة، وتولى خليفة، وقد ولد أخوه الأمين ابن السيدة زبيدة بعده بأربعة أشهر في شوال سنة مائه وسبعين من الهجره، وقد نشأ المأمون في حجر الخلافة، وقد تهيأ له أفضل وسائل التربية والتثقيف في عصره، فقد نشأ في بيت الخلافة وكان مربيه وأستاذه هو يحيى البرمكي، وبانت نجابته وذكائه من صغره ورشحته صفاته لأن يعقد له أبوه الرشيد البيعة للخلافة بعد أخيه الأمين، وعلى الرغم مما عرف عن هارون الرشيد من ذكاء وبعد نظر، فإنه وقع فيما وقع فيه أسلافه، فقد لجأ تحت ضغط من زوجته زبيدة والقوة العربية في الدولة إلى تعيين الأمين وليا للعهد سنة مائه وخمسه وسبعين من الهجره، وجعل له ولاية العراق والشام حتى أقصى المغرب، وما لبث سنة مائه واثنين وثمانين من الهجرة.
أن عين المأمون في ولاية العهد الثانية على أن تكون له ولاية خراسان وما يتصل بها من الولايات الشرقية، وأعقب ذلك البيعة لابنه القاسم، بعد المأمون ودعاه المؤتمن وولاه الجزيرة والثغور، وقد اتبع هذا الاتجاه نحو تقسيم الدولة إلى قسمين شرقي وغربي منذ قيام الدولة العباسية، فكان الخلفاء يقلدون كل قسم لأحد القادة المتنفذين أو المظفرين أو أولياء العهود، فإذا كانوا صغار السن عين الخليفة من ينوب عنهم، وهؤلاء بدورهم كانوا يستخلفون العمال على ولاياتهم، وقد وضع الرشيد بتصرفه هذا وباختياره ثلاثة من أبنائه لولاية العهد بذرة التفكك السياسي وأوقع الدولة في خضم حرب أهلية كبيرة كانت لها نتائجها الخطيرة على مستقبل الدولة، فقد تكتل العرب بزعامة الفضل بن الربيع إلى جانب الأمين.
في حين انضم الفرس بزعامة الفضل بن سهل إلى جانب المأمون، وهذه الفعلة من الرشيد رحمه الله أدت لنشوب الخلاف بين الأمين والمأمون ووقوع القتال أكثر من أربعة سنوات.