الدكروري يكتب عن ميزان الله وموازين الخلق
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الذي كان من أسباب بعثته ورسالته صلي الله عليه وسلم وطاعة أوامره أن ينزل الغيث ،وينتفع العالم كله من الدواب والشجر والجن والإنس والحيوانات، وتقوم الحجة على الكافر، ويُبلَّغ الرسالة، فهو صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين جميعا، فمن دخل في رسالته صلي الله عليه وسلم كانت الرحمة كاملة في حقه، ودخل الجنة ونجا من عذاب النار، ومن لم يدخل في دينه وكفر به صلي الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة وانتفت عنه المعذرة وصار مرحوما من جهة بلاغه ومن جهة إنذاره حتى لا يقول يوم القيامة ” ما جاءنا من بشير ولا نذير ” فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد.
فإن ميزان الله عز وجل مختلف تماما مع موازين الخلق، فإن ميزان الله عز وجل يقدّر صاحب المنصب والجاه والسلطان إن أقام العدل وهو على منصبه واتقى ربه سبحانه وتعالى وإلا فلا قدر له عند الله ولا كرامة، مهما نفخ الناس فيه، ومهما لمّعوا له منصبه فإن جهنم بانتظاره، يأتيها مغلولة يداه إلى عنقه، لا ينفعه يومها إلا عدله وتقواه، وما قيمة طالب العلم والمدرس بدون التزام؟ وما قيمة الشهادات وأصحابها بدون التزام؟ وميزان الله يقول فيه، وأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم” كان يقول اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ” وقال صلى الله عليه وسلم ” من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ” فقد ندرس ونحصل على الشهادات.
وقد نكون أساتذة أصحاب شهادات، لنا مكانتنا عند الخلق وفي موازينهم وهم معجبون بنا لمكانتنا العلمية، ولكن ميزان الله يقول بأن العالم الذي لا ينفعه علمه ولا يتقي الله في حياته العلمية والوظيفية، يحمل الشهادة ولكن لا يشهد له دينه ولا صلاته ولا ورعه ولا أمانته بأنه كان فيها على الصراط المستقيم، فإن هذا العالم وذلك المدرس وأولئك المتعلمون وأصحاب الشهادات هم كالحمار يحمل أسفارا، وتنتظرهم جهنم وهي أولى بهم من غيرهم، لأن أهل العلم هم الأولى بأن يتقوا الله تعالى، وما قيمة الموظف والتاجر والعامل بدون التزام؟ وميزان الله يقول ما قاله النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا، فقد برئت منه ذمة الله” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله”
ففي موازين الناس قد تكون أيها الموظف وأيها التاجر مُغتبطا، ويتمنى بعض الناس مكانك، وتقدم لك التحيات، وتكال لك المدائح، ولكن في ميزان الله فرض واحد يفوتك تنخسف عند الله أسفل سافلين، فكيف أنت أيها الموظف الكبير وأيها التاجر الغني إذا كنت مهملا للصلاة، أو غاشا، أو آكلا للحرام، فما تظن قدرك في ميزان الله بعدها؟ وما قيمة أصحاب التنعم واللهو، أولئك الغارقون في عالم اللذائذ والشهوات والتمتع بالدنيا على حساب آخرتهم، ما قيمتهم وميزان الله تعالي يقول فيهم، كما في الحديث الصحيح،عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغه، ثم يقال له يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟
هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب” فانظر فإنها صبغة واحدة، أي غطة واحدة، أي غمسة واحدة، أنست هذا الغارق في عالم الترف والشهوات وكل لذائذه طول عمره، لم يعد يذكر شيئا من تلك الشهوات والسفرات، واللهو والمهرجانات، والخيمات والنومات، والشواطئ الساحرات، والفنادق الهادئات، فهو في ميزان الله محترق، ناشف مرباد، وإن كان في موازين الناس منتفخ البطن، مبتسم الوجه، هنيء الحياة كما يبدو لهم.