فتنة الشاشات… حين يتحول الإعلام من جسر للأشقاء إلى خنجر في حاصرتهم
محمد عبدالعزيز سعفان
في السنوات الأخيرة، لم يعد الإعلام مجرد ناقل للخبر أو مرآة للواقع، بل تحول – في بعض الأحيان – إلى أداة هدم ناعمة، قادرة على إشعال الفتن دون رصاصة واحدة. وما تشهده بعض الشاشات العربية، وعلى رأسها تجاوزات صدرت عن شخصيات إعلامية تعمل في قنوات كبرى مثل MBC، تجاه رموز مصرية فنية ورياضية ودينية، يفرض علينا التوقف أمام السؤال الأهم: هل نحن أمام نقد مهني… أم محاولة مقصودة لزرع الفتنة بين شعبين شقيقين؟
ما حدث مؤخرًا مع الفنان القدير محمد صبحي لم يكن مجرد رأي عابر أو اختلاف في وجهة نظر، بل تجاوز حدود النقد إلى المساس بقيمة فنية وثقافية تشكل جزءًا من الوجدان العربي، لا المصري فقط. فمحمد صبحي ليس فنانا طارئا على المشهد، بل مدرسة فكرية وفنية قدمت الوعي قبل الترفيه، والرسالة قبل التصفيق.
وهنا تكمن الخطورة. حين يصبح الحديث عن الرموز باستخفاف، لا نحن أمام إعلام حر، ولا أمام نقاش موضوعي، بل أمام خطاب يفتقد لأبسط قواعد المهنية والاحترام، ويخاطب الغرائز لا العقول. لكن الأخطر من التصريح نفسه، هو محاولة تعميمه: مذيعة تخطئ، يحمل الخطأ لدولة
رأي فردي، يقدم كأنه موقف شعب
سقطة إعلامية، فتتحول إلى أزمة بين بلدين. وهذا بالضبط هو منطق الفتنة. مصر والسعودية. يشهد أن العلاقات المصرية السعودية لم تُبنَ على برامج “توك شو”، ولا تهتز بتغريدة أو مداخلة. هي علاقة دم ومصير ومواقف، من حرب أكتوبر، إلى دعم القضايا العربية، إلى تشابك اجتماعي وثقافي عميق لا يمكن اقتلاعه بتصريح مستفز. والحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح: لا الشعب السعودي يعادي مصر، ولا الشعب المصري يكن إلا كل احترام وتقدير للمملكة.
ما يحدث هو صراع “صورة” لا صراع “شعوب”.
في مصلحة من إذن؟ في مصلحة: إعلام يبحث عن الترند لا الحقيقة. منصات تقتات على الغضب والانقسام
قوى إقليمية لا يروق لها وجود عمودين عربيين متماسكين كـمصر والسعودية. أما الدولتان نفسيهما، فلا مصلحة لهما إطلاقها في هذه المهاترات. المطلوب الآن. ليس التصعيد، ولا الشتائم المتبادلة على مواقع التواصل، بل إعلام مسؤول يضبط إيقاع الخطاب. اعتذار مهني واضح عند الخطأ
وعي شعبي يفرق بين “المذيع” و”الدولة”. ودفاع راقٍ عن الرموز دون إساءة لرموز الآخرين. الفتنة لا تبدأ كبيرة، لكنها إن تركت بلا وعي تكبر. ومصر أكبر من أن تُمسّ بقيمة فنية أو تاريخية بتصريح، والسعودية أعمق من أن تنزل في سقطة إعلامية. ويبقى السؤال: هل نسمح للإعلام غير المسؤول أن يعيد رسم خريطة علاقاتنا؟ أم ننتصر للعقل… نغلق الأبواب في وجه الفتنة؟ الاختيار ما زال بأيدينا.
فتنة الشاشات… حين يتحول الإعلام من جسر للأشقاء إلى خنجر في حاصرتهم


