فلسطين بحاجة لجبهة الكل الفلسطيني
بقلم / يوسف المقوسي
تتسع الهوة الثقافية بين الفلسطينيين مع اتساع الهوة السياسية. تتعلّق الثقافة بطريقة العيش والتفكير، وما ينتج عن ذلك من ممارسات.
في كل البلدان تتعدد الثقافات لأسباب طبقية في معظم الأحيان. فالطبقات العليا تستطيع حيازة ما تفقده الطبقات الدنيا. ما يكون واقعاً عند الأولى يكون تمنياً عند الثانية. الهوة الثقافية هي بالأحرى الانفصال الثقافي الى مجتمعين. الوضع في فلسطين يميل أكثر فأكثر نحو أن يكون استقطاباً بين نمطي معيشة ونمطي تفكير، وممارسة لنوعين مختلفين من المعيشة بالأحرى من الذي يختاره كل فريق أو يفرضه، ويصبح هو المحرك الأول للوعي.
ليست المسألة أنك تنتقل عبر حاجز بين فريقين متنازعين بالسلاح. هو حاجز بين مجتمعين، أخذ كل منهما خيارات ثقافية مختلفة عن الآخر. هي فيدرالية اجتماعية مقصودة، كي يصبح العيش سوية أمراً مستحيلاً. ليس الأمر هنا أن طبقة دنيا ضاقت بها سبل العيش، فتضطر أن تعيش بوسائل حضارية تختلف عن الطبقة العليا، لكنها تتمنى أن تصبح مثلها، وتعمل من أجل ذلك، وتُعلّم أولادها من أجل أن يساهم ذلك في ارتقائهم السلم الاجتماعي. نحن مختلفون، لكننا نريد أن نكون مثلكم. ربما كانت الإنقسامات الاجتماعية-السياسية في ذهن البعض هي من أجل نزع الامتيازات ليصبح البعض مثل البعض الآخر، ولا يبقى إلا تمايز الأفراد في القدرات الشخصية. فيضم المجتمع أفراداً في سلطة يكتسبون حق المواطنية فيها، وتميّز بينهم الامتيازات الاقتصادية، حيث تستغل الطبقة العليا كل الطبقات الأدنى منها.
حتى التحالفات السياسية لا تعكس تشابهات اجتماعية. هي تقتصر على تفاهمات سطحية بين أكباش الأحزاب ، لا همّ لهم إلا التعاون مع أي كان في الخارج والداخل من أجل السلطة، أو بالأحرى تفاسم السلطة. حتى تقاسم السلطة يبقى مؤقتاً، إذ أن فريقاً يريد السلطة كلها له، وفريق يحاول الحفاظ على ما ورثه من مواقع السلطة , تحالفات أساسها الرغبة الدفينة عند كل فريق في التحالف لاقتلاع الآخر. تحالفات ليس أساسها التسويات التي يتنازل أطرافها عن جزء مما يعتقدونه حقهم من أجل الالتقاء مع الأطراف الأخرى في التحالف، وذلك من أجل العيش سوية، بل هي تحالفات بين زعماء أهدافها مؤقتة، ينتظر كل فريق انتفاء الحاجة إليها من أجل اقتلاع الآخر .
ليس العيش سوية هو ما يهم المتحالفين، بل هو العكس تماماً. تحالفات كل منها يهدف الفرقاء فيها، كل منهم، الى عدم العيش سوية. الهوة الاجتماعية في طرق العيش، وفي الآمال والتوقعات، تعكس نمطاً جديداً من الحياة السياسية في فلسطين .
نمط يرتكز على معتقدات دينية، ويفترض وجداناً لكل واحد من أصحابه تتعدى متطلباته الفيدرالية أو البقاء في وطن واحد، إن لم نقل سلطة واحدة. أو فلنقل صار بقاء السلطة مرهوناً بسيطرة فريق على السلطة سيطرة كاملة. سيطرة ليست تعبيراً عن وحدة العيش، بل سيطرة الأوهام الدينية والحزبية. هي أوهام ليس بمعنى أنها كاذبة وغير واقعية بل أوهام تبدأ ايديولوجياً، وتتطوّر الى صياغة واقع جديد. هي مبارزة من نوع جديد. لكنها مبارزة ليس فيها أفكار مختلفة حول هدف واحد، بل تختلف فيها الأهداف والتمنيات. وهذا الاختلاف في الأهداف والتمنيات يفترض اختلافا قسريا أو رضائياً حول أنماط العيش والأنماط الثقافية. قطع السير على هذا الطريق شوطاً طويلاً. أصبح من الصعب ردم الهوة. لم تعد المسألة تتعلّق بصراع سياسي من أجل السلطة وحدها، بل بطلاق ثقافي كامل، لا يمكن الحفاظ معه على السلطة إلا بسيطرة كاملة لفريق على آخر، أو تشكيل أمتين أو أكثر متجاورتين. حتى لو بقي الفريقان أو بقوا في سلطة واحدة، تكون العلاقات أشبه بالديبلوماسية بين غرباء .فلسطين بحاجة لجبهة الكل الفلسطيني