فوتوكتابية – تلك الوجوه تتصفح اقدامها
جاسم العبيدي
وجوه تتصفح اقدامها
تندفع هائمة نحو افواه المدينة
وهو يركز افكاره على راس تحجرت زواياه على اوهام بائسة
لا وجه له في جدار الذاكرة كما لا وجه للمدينة التي تعبث باحزانه
لا ادري الى اي زاوية يتسلل هذا الوجه الحامل لشقاء ايامه
ليروي مواسم الموت بضحكات هستيرية تبدو ثقيلة على محياه
الثوب المتسخ المعجون بتراب الارصفة
الاقدام الحافية الملطخة بطين الارض التي تتترك اثارها على اسفلت الشوارع اينما يمضي
والشعر الابيض الذي عشقته شقاوة ايامه , المنفوش على لحيته التي لم تذق نعمة موس الحلاقة منذ ان فارقته نعمة العقل وهوت به نحو الحضيض
بطن جائعة متلهفة لاجترار كل ماهو متوفر من بقايا أطعمة عافتها بطون الآخرين
قطعة صمون يابسة بللتها قطرات مطر انعم الله بها عليه ليستطيع اجترارها بنهم
قنينة ماء التقطها من الارض تركها له احد المارة ضغطت عليها يده بقوة خوفا من اندلاقها قبل ان تروي عطش نهار قائض
نظرات المارة من العابرين تنفذ عبر اسلاك امعائه المتيبسة من الفزع والجوع في ان واحد
اندلاع صرخات الاطفال وهم يحيطون به فرحين بصمته حين يرشقونه بحجر وهم يرسمون له بالسنتهم علامات الاستهزاء مصطفين جماعات وهم يصرخون بصوت واحد
اوه مخبل ….مخبل
لعن الله المستانسين بحركاته الهستيرية التي تعبر عن خوفه من اصوات الاطفال والمارة والمتسكعين على طريقه وهم يعبرون بضحكاتهم لتقززهم من وجوده بالقرب من محلاتهم
إبتسامة حزينة تُشرق ، بين الحين والاخر وبروز اسنانه الصفراء وهو ينظر بعينين متعبتين دامعتين الى من حوله
ربما يقول في قرارة نفسه
لتودع تلك الدموع مآقيها فهي في طريقهــا نحو القاء نفسهــا بين أحضان ثوب مستانس بالوسخ بلله المطر
لا ادري هل على الانسان ان يبدأ أستذكار الحــزن الذي لم يُفارقه لحظة
ويستمع لصرخــات أصــوات الأطفال الذين تزاحموا امامه ليرددوا مواويل الضحك
ام يتناسى الأحزانَ بهموم أُخـــرى جـــديدة تحتل اعماق الراس وتزدحم فيه
و ما أكثرالدموع على وجوه البشر من حولنا
طين الأرض وحنَّاء الأقدام المتيبسة ليست مرثية جديدة ، بل ملحمة تفجر في النفس شجن المسافات والفوارق الطبقية.
ولا أظن ان أحداً في غيربلدي تصيبه هذه النكسات في وطن يأبى أن يموت بين يديه ابناؤه حفاة عراة لا قوت لهم
نظر إلى الفضاء نظرة متفحصة حاول ان يفر من قدره كي لا يرى بشرا يحاولون دون تعبٍ أو مَلَلٍ ان يستسيغوا فتح افواههم بغباء
لكنه لم يعد يقدر أن يهرب لينامَ في مامن إلاّ إذا كان واقفا مقيدا الى اعمدة الكهرباء او حيطان المحلات المتقاربة لكي يشعربالدفء
حالما أنّه سيقتلُ في نومه اولئك الابالسة الذين تتوالى صيحاتهم وصراخهم في وجهه
إنّها أبجديّة أخرى لزمن لم يعُد قادراً على الاستمرار
ليبقى هو يستانس بالخبز اليابس المعجون بدماء الفقراء
من المشردين والمذبوحين على مذابح تجاعيد وجهه .
وسنوات عمره التي تمر دون وعي لتبقى تستانس بتلك الوجوه التي تتصفح اقدامها بصمت
ترى هل سنحيا بعيدا عن الخوف
ام اننا نظل لنحمل اعناقنا قلقا
فيحتضن الليل اوهامنا
لينضج وجه المدينة فينا بصيرا