قراءة في رواية (ميراث الدم)(2)
للأديب الكبير /محيي حافظ
تحليل الكاتب والشاعر الكبير / يحي سلامه
(تيمة الصدمة والدهشة)
بعد الأجزاء الأربعة الأولي من الرواية وابتداءا من الجزء الخامس حتي الجزء السابع والأخير عمد المؤلف إلي إستخدام تيمة الدهشة والصدمة للقارئ وهو مايعترف به علي لسان الراوي (إبليس) منبها إلي أن التاريخ هو ماحدث بالفعل وليس ماكتبه المؤرخون (في إشارة ذكية جدا من المؤلف لنقرأ التاريخ قراءة جديدة ولا نسلم بالروايات وانما نبحث عن المسكوت عنه)
وأول هذه الصدمة والدهشة ماجاء عن قصة (سالومي) المشهورة ابنة أخ الملك هيردوس والذي يقول التاريخ أن الملك أراد الزواج منها فاشترطت عليه أن يكون مهرها هو رأس النبي يحي (يوحنا المعمدان) بايعاز من أمها والتي كانت تكره النبي يحي عليه السلام كرها شديدا ووافق الملك علي مضض وأتاها برأس التبي يحي فوافقت ورقصت له رقصتها المشهوزة بينما الملك السكير منتشيا بالخمر .
وهنا أورد المؤلف رواية أخري عن مصير سالومي (والتي كانت بالفعل حاقدة علي يحي ومحبة ابنة عمها ايزابيل له وايمانها به) ولكنها عندما التقت به دخل نور الايمان الي قلبها وقد صدمت عندما دبر رجال القصر المكيدة لنبي الله يحي وأتوا برأسه للملك الذي شعر بالغيرة من هذا التغير المفاجئ فانتقم من يحي بقطع راسه وعندما شاهدت سالومي رأس يحي سارعت الي سطح القصر وألقت بنفسها لتموت حزنا وقهرا علي يحي (يوحنا المعمدان) بحسب رواية المؤلف.
وهذه الدهشة والصدمة نراها في الفصل السابع والأخير عندما قدم شخصية (يهوذا)
الشهيرة والمعروف عنه أنه الخائن للسيد المسيح عليه السلام فاذا علي لسان الراوي نري يهوذا هو أخلص أتباع المسيح ورفيقه في الجنة حسب قوله.
ويجب ألا نتسرع في الحكم علي المؤلف ونقول أنه عمد إلي التزييف والتدليس أو التحريف خاصة إذا عرفنا أن الراوي هو (ابليس نفسه كما أوضحت في البداية) ولكن هذه الصدمة والدهشة انما عمد اليها المؤلف كرسالة لتنبيه القارئ واستحضار وعيه عند قراءة التاريخ والأحداث فأحيانا يتم التحريف والتلبيس ويتم تحريف الأحداث وتصبح الأكاذيب هي التاريخ الحقيقي بينما تختفي الحقيقة الي غير رجعة في كثير من الأحيان وكما قلت في الجزء الأول ان المؤلف يكتب بقلم التاريخ لينبه الي الواقع الحاضر ويكتب بقلم الواقع الحاضر مستلهما أحداث التاريخ.
واما عن فنيات السرد الروائي فبعد القراءة الكاملة لأجزاء الرواية أستطيع القول أن المؤلف عمد إلي الحبكة الدرامية المتمثلة في تدفق الأحداث وتسلسلها (حسب طبيعة الموضوع التاريخي والديني الذي تناولته الرواية) ولم يلجأ إلي القفز علي الاحداث أو الفلاش باك وانما جعل الاحداث تتدفق بسلاسة وفق ترتيبها الزمني والتاريخي.
وأما عن اللغة المستخدمة فالمؤلف رغم اعتماده علي الوثائق والمراجع والتي أثبتها في كل جزء من أجزاء الرواية ومنها (القرأن الكريم والانجيل والبداية والنهاية لابن كثير وغيرها من المراجع) فلم يستسلم المؤلف للغة التاريخ الوثائقية الجافة بل استخدم لغة فنية جاذبة للقارئ فنري الجمل السردية ممزوجة بأيات من القران الكريم وفقرات من الانجيل تم توظيفها بعناية شديدة لابراز حدث ما او تسليط الضوء علي شخصية ما في الرواية وأما جمل الحوار فكانت غاية في الاحكام ولم يكن الحوار مسهبا أو خطابيا بقدر ماكان حوارا إنسانيا بشريا ولعل من أجمل جمل الحوار التي استوقفتني طويلا تلك الحوارات التي دارت بين السيد المسيح عليه السلام ومريم المجدلية.
وأما عن رسم الشخصيات فلم يجانبني الصواب اذا قلت أن المؤلف جعل من شخصياته بشرا من لحم ودم ابتداءا من ابليس (الراوي العليم) والذي كما أوضحت في الجزء الأول لايروي أحداثا عاشها أو شارك فيها بل جعلنا نشاركه أفراحه وأحزانه لتأثير تلك الأحزان عليه سلبا أو إيجابا.
وهو مافعله المؤلف مع باقي الشخصيات فجعلنا نعايش طهارة العذراء مريم البتول رضي الله عنها ومحنتها ورحلتها المقدسة وكذلك طهارة ونقاء نبي الله يحي عليه السلام (يوحنا المعمدان) وتبشيره بالمسيح عليه السلام وكذلك إجادته لرسم شخصية السيد المسيح عليه السلام ومواقفه ودفاعه عن مريم المجدلية والذي أعتبره من أروع مشاهد الرواية علي الاطلاق.
وبالمناسبة فقد برع المؤلف في رسم شخصيات مريم المجدلية وايزابيل وسالومي والغوص في أعماق شخصياتهم واظهار الدوافع النفسية والعاطفية وراء أقوالهم وأفعالهم.
وحتي شخصية الملك هيردوس (رغم أنه من الشخصيات الثانوية) فحتي في الفقرات القصيرة جعلنا المؤلف نشعر بسكره وحيوانيته وشهواته المحرمة تجاه ابنة أخيه التي يريدها زوجة له رغم أنه للمفارقة متزوج من أمها (وهو الزواج المخرم اصلا طبقا للشريعة اليهودية.
ليتضح لنا في الأخير أننا أمام عمل فني روائي بامتياز موثقا بالوثائق الدينية والتاريخية
وكأن المؤلف يكتب التاريخ بقلم الاديب الروائي وهو مانجح فيه المؤلف بالفعل
قراءة في رواية (ميراث الدم)(2)
للأديب الكبير /محيي حافظ
تحليل الاديب والشاعر / يحي سلامه