قراءة في فيلم “باربي”
بقلم المخرج والسيناريست محمد شامية
باربي .. الفيلم الذي حاول ان يكون اكثر من كوميديا مسلية موجهة للمراهقين فتطرق للقضايا الخطأ بالاسلوب الخطأ في الزمن الخطأ ! .. هذا لا يعني ان الفلم هامشي تماما لما يمثله في مآخذه الانثوية لدى المرأة بشكل عام ويتطلب ربما قبل ان تشاهد هذا الفيلم كرجل خلع نعل ذكورتك على عتبته كي تتماهى معه بشكل منصف .. اذ يلج الى عالم المراة بتجرد ويستعين صناعه في مطلعه بمحاكاة مشاهد الفلم الشهير الاوديسا الذي ظهر قبل نصف قرن لستانلي كوبريك لاكسابه شيء من الأهمية والذي ارجا به كوبريك الصراع بين الراسمالية والاشتراكية الى ما قبل التاريخ حيث وجدت بذور الفكرة بين جماعات الاصول البشرية في صراعها على الثروات المتاحة بل والمح لميلاد الوثنية الدينية كنهج يوجده فراغ المنطق التحليلي للامور فقدس اول صخرة غريبة الشكل لتكون الاسقاطة في باربي عن ربط الانوثة بفكرة السعي للكمال والجمال واللاواقعية منذ وجودها وتنميطه كسلوك من خلال وثن باربي الصارخة الجمال والرشاقة والادب والاناقة لكن .. وبحسب رؤية صناع الفيلم .. ما نسبة الفرص المتاحة امام هذا التطلع الانثوي للنجاة في عالم واقعي يحكمه الرجل ويستثمر في تنميط المراة فكرا وجسدا ؟ .. سنجد ان الفيلم ذهب بعيدا واكثر من المغالاة في تصوير الواقع وكان المراة فيه ترزح تحت سطوة الرجل ومغلوب على امرها بموجب التصنيف الجنسي لها وكانها كائن درجة ثانية في حين اننا بتنا نعيش في حقبة حتى المثليين بداوا يحصلون به على حقوق وتشريعات بالزواج ويتجه بها لخلق فلترة ثقافية تجعلهم مقبولين كأي كائن حي اخر لذى فان الفيلم يغرق بمعالجة اشكال لم يعد يشكل هما حقيقيا بل هناك دول كثيرة بات يشعر الرجل والمرأة بها بالانتقاص من حقوقهم بالتزامن مع الافراط في نشر الافكار النسوية واعطائها الاولوية على حساب هموم اخرى تمثل بها النسوية تحصيل حاصل وليست هدفا بحد ذاتها وجعل الانتصار لها باي ثمن شيىا ايجابيا يستوجب التصفيق للافلات من تهم الرجعية على الاقل .. اعتقد ان الفيلم ضرب مثلا جيدا باستعداد كلا الجنسين من خلال شخصيتي كين وباربي ليكونا بموقع ردة الفعل بحيث يكون التطرف النسوي نتيجة حتمية للتطرف الذكوري والعكس صحيح حيث لم يوفر كين اول فرصة متاحة امامه ليطلق العنان لذاك المحتقن المخذول على الدوام من باربي ليتغنى بتميزه في عالم يقبل الرجل بشكل متطرف .. عالم تعيش فيه المراة صراعها مع التقدم بالعمر وتلاشي الباربي تدريجيا من كيانها المادي لتتركها في صراع مع ثقتها الزائفة.. يلمح الفيلم كذلك على ان ما نراه سخافة في مفهومنا الرجولي يشكل هناك الاهمية المطلقة اذ يتمحور الفلم حول هذا المفهوم ويؤكد اهمية اعفاء الرجل لمنطقيته المفرطة من الحكم على عالم المراة المليء بالخيال المبهج والمتفائل البريء وقد تجسد ذلك ببراعة في مشهد جميل عندما تجلس باربي الدمية اثناء بحثها في العالم الواقعي عن المرأة التي اقتنتها طفلة الى يمين الكادر اذ تنهي تاملها لتجد على يسار الكادر امرأة عجوز فتقول لها فجاة : انت جميلة جدا ! .. لترد عليها العجوز : اعرف ذلك ! .. تضحك كل منهما وكانها النكتة الانثوية المتفق عليها التي لا تستوجب الجدل .. يوضح الفيلم كذلك القفزة الفكرية لمفهوم الانثى خلال نصف قرن لكنه يصور اصحاب رؤوس الاموال من الرجال بانهم من جعل مفهوم الانوثة حلما يقبل الاستثمار به من خلال الايحاء والالهام الوهمي وتحويلها لكيان استهلاكي وجب الحفاظ على تسطيحه كي يستفز الآخر ترويجا للسلع ويصور عدو المراة هو المراة نفسها في حال اختارت الا تكون متمردة وفي مواجهة الرجل بخطاب لا يتسم بادنى درجات النضج وكأن من كتب الفلم مراهقة تعيش في ادغال افريقيا ترى العالم من بعين مواقع التواصل الاجتماعي او امراة حاقدة تريد تعميم تجربتها الفاشلة من خلال عمل ممجوج شكلا ومضمونا مما اضطر صناع الفيلم الى اللجوء الى الكوميديا المفتعلة بين الفينة والاخرى كي لا يبدو الفيلم بسرده الطفولي المتسق مع عوالم دمية باربي مقتصر على فئة عمرية معينة ونلاحظ ذلك ايضا من خلال استجلاب مانشيتات رنانة كمحاولة اخرى لاكساب الموضوع اهمية في حواراته كنظرية السلطة الابوية التي تحصر السلطات بيد الرجال ويظهر بان المراة ذاتها هي اكثر المتقبلين لها كنتيجة حتمية للشعور الدوني في مواجهة اكتمالات باربي الدمية الملهمة التي سوقها الرجل الانتهازي .. وهذا يضعنا امام تساؤل ربما ان كان ثمة ربط سليم هنا من حيث نوع وحجم واهمية القضية مع مسبباتها وهل نحن بحاجة لان ننتذر بخطر محدق لم نحسن تصنيفه وتسميته فنخر بنا حتى تحول الى جزء من دورة حياتنا المتهاوية بسببه ؟! .. اننا كمن يتحدث عن العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء من قبل البيض بغرض نقلها من مجرد فعل يومي اعتيادي غير ملحوظ الى مأساة انسانية الآن ! .. وعن خطر النازية على العالم بعد ان توصل العالم الى ما هو ابعد بكثير بقيمه وارتقائه بها ونبذ كل ما جاء بحقب مضت ليسردها مجرد تاريخ موثق يحث من خلالها على الشعور بالعار منها ..ربما اهم ما اثبته فيلم باربي ان الايرادات التي يحققها فلم ما ليس معيارا لنجاحه ولا دليلا على نبوغه ونضجه الفني بل المتحكم الرئيسي بذلك قدرتك كصانع فيلم على مغازلة مفهوم جمعي معين يدفعك كمتلقي للاشادة والتماهي مع ما طرح دفعا لتهم كالرجعية والبلادة وليس تعبيرا صرفا عن الاستمتاع والنشوة بجرعة فنية مشبعة تقود لحالة من التامل وطرح السؤال المجدي .
تمتع الفيلم بتجانس لوني جميل يعبر بصدق عن عوالمه وكانت رسوم الغرافيك في خدمة الكوميديا المقدمة نوعا وكان الاخراج من حيث اللقطات سواء الثابتة او المتحركة تسير بايقاع منضبط آسر يفوق خطاب الفيلم بمراحل لكنه لم ينجح بانتشاله من ضحالته ويمثل ذلك تعبيرا صريحا عن قاعدة سينماىية اساسية تفيد بان النص السيء والمرتبك لا شيء ينقذه .. تميز الفيلم ابلاداء العبقري للممثلين وخاصة ماريوت روبي .. تلك الممثلة التي تراها مزيجا معقدا من عفوية ميج رايان واحترافية نيكول كيدمان .