قمة السلام .. بناء وتعمير
بقلم: د. تامر عبد القادر عمار
ها هي مصر – كما كانت دائمًا – تقف في قلب الحدث، شامخةً في موقفها، ثابتةً على مبدئها، رافعةً راية السلام في وجه رياح الحرب. من شرم الشيخ، عاصمة السلام، خرجت الكلمة الصادقة، والموقف النبيل، والمبادرة الحكيمة التي أعادت الأمل إلى قلوبٍ أرهقها الدمار، وعيونٍ أنهكها البكاء. هناك، حيث اجتمع قادة العالم، واحتشدت أنظار الأمم، كان صوت مصر هو الأكثر وضوحًا وصدقًا: لا للتهجير.. نعم لوقف النار والتعمير.
لم تكن كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي مجرد تصريحٍ سياسي، بل كانت صرخة ضميرٍ إنسانيٍّ في وجه العبث، ونداءَ مسؤوليةٍ في زمنٍ يوشك فيه المنطق أن يغيب. فمصر، بتاريخها العريق ومواقفها الثابتة، رفضت – كما رفضت دومًا – أي محاولةٍ للمساس بحقوق الشعب الفلسطيني أو العبث بترابه أو اقتلاع جذوره. لم تنظر إلى الأزمة من زاويةٍ سياسيةٍ ضيقة، بل من منظورٍ إنسانيٍّ شامل يرى في الإنسان قيمةً عليا لا يجوز المساومة عليها.
لقد أدرك الرئيس السيسي أن التهجير هو الوجه الآخر للموت، وأن كرامة الشعوب لا تُحفظ بالوعود، بل بالمواقف. لذلك كان موقف مصر حاسمًا وواضحًا منذ اللحظة الأولى: لا تهجير من غزة، ولا تنازل عن الأرض، ولا مساومة على حقّ الفلسطينيين في وطنهم. كانت تلك الرسالة صريحة للعالم أجمع: مصر لا تفرّط في الحق، ولا تساوم على المبدأ، ولا تسمح أن يُعاد رسم خرائط المنطقة على أنقاض الأبرياء.
ولأن القيادة لا تُقاس بالشعارات، بل بالفعل والمبادرة، جاءت الجهود المصرية لوقف إطلاق النار لتؤكد أن القاهرة لا تتحدث فقط بل تعمل. فبينما تعالت أصوات البنادق، كانت القنوات المصرية تفتح خطوط الاتصال بين أطراف النزاع، تُقرب وجهات النظر، وتبني جسور الثقة بين المتنازعين. لم تكن مهمة سهلة، لكنها كانت مهمة مصرية بامتياز، نابعة من إيمانٍ راسخٍ بأن السلام ليس خيارًا، بل قدر الأمم العاقلة.
ومن شرم الشيخ – مدينة الشمس والسلام – انطلقت مبادرة الرئيس السيسي لتفتح صفحة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية. مبادرةٌ لم تكتفِ بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، بل وضعت الأساس لمشروعٍ أوسع: التعمير بدل الدمار، والبناء بدل البكاء. فالرئيس السيسي، وهو يتحدث أمام قادة العالم، لم يكن يوجّه خطابه إلى طرفٍ بعينه، بل إلى الإنسانية كلها. دعا إلى أن يتكاتف العالم لإعادة إعمار غزة، وإعادة الأمل إلى قلوب أهلها، فالحرب لا تُنهي مأساة، بل تخلّف ألف مأساةٍ جديدة.
لقد عبّر الرئيس في كلماته عن روح مصر التاريخية التي لم تنحز يومًا إلا للسلام والعدل. تلك الروح التي جعلت مصر دائمًا صمام الأمان للمنطقة، وملاذًا للعقل حين يشتدّ الصراع. فحين تشتعل الحروب، تظل مصر هي الدولة التي تبقي على الجسور مفتوحة، والقلوب عامرة بالإيمان أن الغد يمكن أن يكون أفضل.
ولم يكن اجتماع شرم الشيخ حدثًا عابرًا، بل كان تتويجًا لدورٍ مصريٍّ متواصل في صناعة التوازن الإقليمي. لقد التفت العالم حول القيادة المصرية، إدراكًا منه أن صوت القاهرة هو الصوت العاقل في زمنٍ ضجّ بالانفعالات. ومن هنا جاء اختيار القادة الدوليين للمشاركة في القمة، إيمانًا منهم بأن مصر تمتلك من الرؤية والاتزان ما يجعلها قادرة على قيادة مسار السلام من جديد.
إن الدور الذي تؤديه مصر اليوم لا ينفصل عن رؤية القيادة السياسية التي أرست منذ سنواتٍ نهجًا جديدًا في الدبلوماسية المصرية: نهج يقوم على المبادرة لا الانتظار، وعلى الفعل لا الانفعال، وعلى الإعمار لا الدمار. فمصر الجديدة، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، باتت تمارس سياستها الخارجية وفق معادلةٍ إنسانيةٍ راقية، توازن بين صلابة المبدأ ورحابة الإنسانية، بين قوة القرار وحكمة التوقيت.
وما إن أُعلن الاتفاق الأخير بشأن غزة حتى تنفّس العالم الصعداء، وتبدّلت لغة الحرب بلغة الرجاء. لقد أدرك الجميع أن السلام الذي ترعاه مصر هو سلامٌ له جذورٌ في الأرض، وله ضميرٌ في القلب. فالمبادرة المصرية لم تكن فقط لوقف النار، بل كانت لبناء مستقبلٍ جديدٍ لأبناء فلسطين، يضمن لهم حقّهم في الحياة بكرامةٍ تحت سماءٍ آمنة.
وفي ختام هذا المشهد الإنساني والسياسي المهيب، لا يسعنا إلا أن نُدرك أن مصر – بقيادتها وشعبها – تؤكد من جديد دورها التاريخي كـ قلب العروبة النابض، وحصن السلام الحصين، وصوت الضمير الإنساني في عالمٍ مضطرب.
إنها مصر التي حين تقول «لا للتهجير»، تقولها من موقع القوة لا العاطفة، وحين تقول «نعم للتعمير»، فإنها تمدّ يدها بالخير لكل من يريد الحياة.
هكذا تثبت القيادة المصرية أن الإنسان هو غاية السياسة ووسيلتها، وأن السلام ليس شعارًا يُرفع، بل عهدٌ يُكتب بالصدق والإرادة.
ومن شرم الشيخ، المدينة التي شهدت ميلاد قرارات السلام يومًا، تجدد مصر عهدها مع العالم:
لن نسمح بأن تُهدم بيوت الأبرياء، ولن نقبل أن يُقتلع شعبٌ من أرضه،
وسنبقى – ما بقي التاريخ – صوت العقل والعدل في زمنٍ فقد كثيرًا من صوتهما.
فمصر لا تصنع المعجزات صدفة، بل تصنعها بإيمانٍ راسخ بأن رسالتها في الوجود هي:
حماية الحياة… وصون الكرامة… وبناء السلام.
قمة السلام .. بناء وتعمير