المقالات

كنز من كنوز الخير

كنز من كنوز الخير 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

كنز من كنوز الخير

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد إن الصبر حصن حصين، وعطاء عظيم، يمنحه الله تعالي لعباده المختارين، فهو كما قال الحسن رحمه الله كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله عز وجل إلا لعبد كريم عنده، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر” فمن عظيم فضله أنه ما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب، إلا الصبر، كما قال عز وجل ” إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب” فهو أجر عظيم غير معدود ولا محدود.

 

ولأجل كون الصوم من الصبر قال تعالى “الصوم لي، وأنا أجزي به” وإن نزول البلايا وحلول المصائب في ساحة العبد على تنوّعها وتعدد ضروبها وما تعقبه من آثار وما تحدثه من آلام يتنغص بها العيش ويتكدر صفو الحياة حقيقة لا يمكن تغييبها، ولا مناص من الإقرار بها لأنها سنّة من سنن الله في خلقه، لا يملك أحد لها تبديلا ولا تحويلا غير أن الناس تتباين مواقفهم أمامها فأما أهل الجزع ومن ضعف إيمانه وإضطرب يقينه فيحمله كل أولئك على مقابلة مر القضاء ومواجهة القدر بجزع وتبرّم وتسخّط تعظم به مصيبته، ويشتد عليه وقعها فيربو ويتعاظم، فينوء بثقلها ويعجز عن إحتمالها، وقد يسرف على نفسه فيأتي من الأقوال والأعمال ما يزداد به رصيده من الإثم عند ربه. 

 

ويضاعف نصيبه من سخطه، دون أن يكون لهذه الأقوال والأعمال أدنى تأثير في تغيير المقدور أو دفع المكروه، وأما أولو الألباب فيقفون أمامها موقف الصبر على البلاء والرضا ودمع العين، لا يأتون من الأقوال والأعمال إلا ما يرضي الرب ويعظم الأجر ويسكّن النفس ويطمئن به القلب، يدعوهم إلى ذلك ويحثهم عليه ما يجدونه في كتاب الله من ذكر الصبر وبيان حلو ثماره وعظيم آثاره، والصبر لا يكون بمجرد حبس اللسان عن الشكوى، وإظهار التجلد، وإنما لابد في الصبر من حبس القلب عن التسخط على المقدور، فمن تجلّد في الظاهر وقلبه ساخط على القدر فليس بصابر، ومن كان قلبه خاليا من السخط والجزع فهو صابر، وإن دمعت عينه.

 

والصبر عدة لازمة لكل حي لأن الحياة لا تخلو من بلاء، وقد قيل في منثور الحِكم من أحب البقاء، فليعد للمصائب قلبا صبورا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما أفضل العدة الصبر على الشدة، فمن حسن التوفيق وأمارات السعادةهو الصبر على الملمات والرفق عند النوازل، وإن من الأمور التي تعين على الصبر هو معرفة أن الحياة الدنيا زائلة لا دوام فيها، ومعرفة الإنسان أنه ملك لله تعالى أولا وأخيرا، وأن مصيره إلى الله تعالى، والتيقن بحسن الجزاء عند الله، وأن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله، حيث قال تعالى في سورة النحل ” ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” واليقين بأن نصر الله قريب، وأن فرجه آت، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسرا. 

 

وأن ما وعد الله به المبتلين من الجزاء لابد أن يتحقق، حيث قال تعالى”فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” وكذلك الاستعانة بالله واللجوء إلى حماه، فيشعر المسلم الصابر بأن الله معه، وأنه في رعايته،حيث قال الله تعالى” واصبروا إن الله مع الصابرين” وكما أن من الأمور التي تعين على الصبر هو الاقتداء بأهل الصبر والعزائم، والتأمل في سير الصابرين وما لاقوه من ألوان البلاء والشدائد، وبخاصة أنبياء الله ورسله والإيمان بقدر الله، وأن قضاءه نافذ لا محالة، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، حيث قال تعالى في سورة الحديد “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم” 

 

وكما أن من الأمور التي تعين على الصبر هو الإبتعاد عن الإستعجال والغضب وشدة الحزن والضيق واليأس من رحمة الله لأن كل ذلك يضعف من الصبر والمثابرة.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار