لابد تشغل قلبك بذكر الاخره
محمود سعيد برغش
كان لابد لنا من هذا السؤال ما السبب في طول الامل وكيف التخلص من طول امل و تنشغل قلوبنا بذكر الاخره
قال الإمام الغزالي رحمه الله عليه اعلم ان طول الامل احدهما الجهل والاخر حب الدنيا أما حب الدنيا فهو انه إذا انس بها و شهوتها و لذاتها و ثقل على القلب مفارقته فامتنع قلبه عن الفكر في الموت الذي هو سبب مفاركتها وكل من كره شيئا دفعه عن نفسي والانسان مشغول بالاماني الباطله فيمني نفسه أبداً بما يوافق مراده وانما يوافق مرضه البقاء في الدنيا فلا يزال يهتم بها ويقدره في نفسه ويقدر طوابع البقاء وما يحتاج اليه من مال واهل ودار واصدقاء ودواب وسائر اسباب الدنيا فيصير قلبه عاكفا على هذا الفكر موقوفا عليه فاله عن ذكر الموت فلا يقدر كربه فان خطر له في بعد الاحوال أمر الموت والحاجه الى الاستعداد لهم سوف أعد نفسه وقال الايام بين يديك إلى أن تكبر ثم طول واذا كبر فيقول إلى أن تصير شيخا فاذا صار شيخا قال الى ان تفرغ من بناء هذه الدار وعماره هذه الضيعه أو ترجع من هذا السفر او ترجع من هذه السفر او تفرغ من تدبير هذا الولد وجهازه وتبني مسكن له او تفرق من قهر هذا العدو الذي يشمت بك فلا يزال يصوف ويؤخر ولا يخوض في شغل ولا يتعلق باتمام ذلك الشغل عشره اشغال اخرى وهكذا يؤخر يوما بعد يوما ويفضي به الشغل الى شغل بل الى ان تخطف المنيه في وقت لم يحسبه فتطل عند ذلك حسرته واقصر اهل النار وصايا وصيحاهم من صوف يقولون وحزناه من صرف والمصرف المسكين لا يدري ان الذي يدعوه الى التسويف اليوم هو معه غدا وانما يزداد بطول المده قوه ورسوخه وظن انه يتصور ان يكون الخائض في الدنيا والحافظ لها فراغ قط وهيات فمن يفرق منها الا من طرحها فما قضى احد منها ولا هرب منها إحد ولا أخد سيخلد في الارض
حب الدنيا والانس بها ومغفره عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم احبب من احببت فانك مفارق واما الجهل فهو ان الانسان قد يعول الى شبابه ويتغر بها فإن الموت مع الشباب ولا يتفكر المسكين ان مشايخ بلده لو عدوا فكانوا اقل من عشره رجال البلد وانما قالوا لان الموت في الشباب اكثر فالى ان يكون شيخ يموت الف صبي وشاب قد يستبعد الموت بصحته ويستبعد الموت فجاه ولا يدري ان ذلك غير بعيد وان كان ذلك بعيدا فالمرض فجاه تغير بعيد وكل مرض فانما يقع فجاه واذا مرض لم يكن الموت بعيدا لا تفكر هذا الغافل وعلم ان الموت ليس له وقت مقصوص من شباب وشيب وقهوله ومن صيف وشتاء وخريف وربيع من ليل ونهار العظم استشعاره واشتغل بالاستعداد له ولكن الجهل بهذه الامور وحب الدنيا دعواه الى طول الامل الى الغفله عن تقدير الموت القريب وهو ابدا يظن ان الموت يكون بين يديه ولا يقدر نزوله بل وقوعه فيه وهو ابدا يظن انه يشيع الجنائس ولا يقدر ان تشيع جنازته لان هذا لقد تعود عليه وهو مشاهده موت غيره فاما موت نفسه فلم يؤلفه ولم يتصور ان يؤلفوا فانه لم يقع واذا وقع في اخرى بعد هذه فهو الاول هو الاخر فان عليك طول الامل وسبيله ان يقيس نفسه بغيره ويعلم انه لابد ان تحمل جنازته ويطفا في قبره ولعل اللبن الذي يغطي به لحظه قد ضرب فرغ منه وهو لا يدري فتصوفه جهل محض واذا عرفت ان سبب الجهل وحب الدنيا فالعلاج في إخراجها من القلب شديد هو الداء العظام الذي أعيا الاولين والاخرين الى زهره ولا علاج له الا بالايمان باليوم الاخر وما فيه من عظيم العقاب وجليل الثواب ومهما حصى ارتحل يمحو من القلب بحب الحقير فاذا راى حكارة الدنيا ونفاسه الاخره و استنكر ان يلتفت الى الدنيا كلها واعطى ملك الارض من المشرق الى المغرب وكيف وليس عندهم للدنيا الا قدر يسير مقتدر فكيف يفرح بها وينزرع في القلب حبها مع الايمان بالاخره فنسال الله تعالى ان يرينا الدنيا كما اراها الصالحين من عباده ولا علاج في تقدير الموت في القلب مثل النظر الى من مات من الاقران والاشكال وانهم كيف جاءهم الموت في وقت لم يحتسوا اما من كان مستعدا فقد فاز فوزا عظيما واما من كان مجرورا بطول امل فقد خسر خسرارا مبيرا فلينظر الانسان كل ساعه في اطرافه واعضائه ويدبر انها كيف تاكلها الديدان لا محاله وكيف تتفتت عظامها يتفكر ان الدوده يبدا بحدقته اليمنى اولا او اليسرى فما على بدنه شيء الا هو طعمه يبدو دمله من نفس الا العلم والعمل قوس وجه الله تعالى اف يقوا يا معشر الشباب افيقوا يا معشر الشباب فان الموت سوف ياتي ولا تنظر الى الدنيا وانظروا الى الاخره فنصيحتي للشباب والصبيان قبل الشيوخ ان تفيقوا وان تتازوا منكم من الذين سبقوكم الى الموت وصاحب الصالح وليس الطالح واتقوا الله في انفسكم وشبابكم وعودوا الى دينكم وربكم والسلام عليكم