الرئيسيةمقالاتلجان بلا معنى.. وتعليم بلا مغزى
مقالاتمنوعات

لجان بلا معنى.. وتعليم بلا مغزى

لجان بلا معنى.. وتعليم بلا مغزى

بقلم : عماد نويجى

بين ملف وورقة.. ضاع التلميذ فى الزحمة

يعيش التعليم المصري في السنوات الأخيرة حالة من الارتباك الإداري الممنهج، حيث تتكاثر «اللجان» داخل المدارس كما تتكاثر الشعارات في المؤتمرات.

لجان من الإدارة، وأخرى من المديرية، وثالثة من الوزارة، ثم ما يُعرف بـ«الأتوبيس الطائر»، الذي يجوب المدارس فجأة، وكأن مهمته الكبرى ليست تطوير العملية التعليمية، بل مراقبة مدى انتظام الملفات والسجلات.حين تراهم يتجولون بين الفصول يبدون كمن يبحث عن جريمة سجلات غير مرتبة، لا كمن يسعى لاكتشاف تلميذ موهوب أو معلم مبدع.الذى يهبط كالعاصفة فى فناء المدرسة ليُربك الجميع، ويُعلن حالة الطوارئ فى الفصول والمكاتب والطرقات، وكأن الحرب العالمية التعليمية على وشك الاندلاع.

كل لجنة تحمل أوراقًا، ودفاتر، وتقارير، وأسئلة محفوظة عن ظهر قلب:

“السجلات فين؟”

“التحضير موقّع؟”

“الخطة الزمنية فين؟”

ورغم أن الهدف المعلن من تلك الجولات هو الارتقاء بمستوى الأداء، إلا أن الواقع يكشف عن حقيقة مختلفة تمامًا؛ إذ تحوّلت المتابعة إلى عبء إداري يُرهق المدارس والمعلمين، ويصرف الجهود عن الهدف الأساس وهو الطالب.

فلم نعد نرى من يسأل عن مستوى التحصيل أو جودة الشرح أو مدى تفاعل التلميذ، بل أصبح الاهتمام منصبًّا على ترتيب الأوراق وتوقيع الخطط الزمنية، وكأن جوهر التعليم أصبح ورقيًّا لا فكريًّا.

والمؤسف أن كثيرًا ممن يتصدرون هذه اللجان قد تركوا الميدان التربوي منذ زمن، ليصبح تقييمهم للمواقف التعليمية أقرب إلى التقدير النظري منه إلى الفهم الواقعي.

هؤلاء لا يمثلون الميدان بقدر ما يمثلون البيروقراطية، فهم أقرب إلى مفتشي الأوراق منهم إلى خبراء التعليم.

لقد تحولت المدرسة المصرية من بيتٍ للتعلم إلى ساحةٍ لتجميع الأوراق والملفات.

ومع كل زيارة مفاجئة — يُعلن عنها مسبقًا — تتحول المدرسة إلى ورشة طلاء وتنظيف، لا إلى بيئة تعليمية حقيقية.

أما الطلاب، فهم آخر من يُسأل عنهم، رغم أنهم السبب الأول لوجود تلك المنظومة.

التعليم الحقيقي لا يُقاس بعدد الزيارات الميدانية، ولا بعدد التقارير المرفوعة، بل بقدرة المدرسة على إحداث فرق في عقول طلابها وسلوكهم.

فالمتابعة لا تكون بالملفات، بل بالنتائج، ولا بالتوقيعات، بل بالأثر.

إن إصلاح التعليم يبدأ من إعادة الثقة في الميدان التربوي ذاته، وإعادة تمكين المعلم، فهو حجر الزاوية وأساس كل تطوير حقيقي.

كما أن المتابعة يجب أن تتحول من أداة تفتيش إلى وسيلة دعم وتطوير، فالتقييم ليس هدفًا في ذاته، بل خطوة في طريق الإصلاح.

وحين تصبح اللجان أكثر من المعلمين، والأوراق أكثر من العقول، فلابد أن نُقرّ بأن التعليم دخل مرحلة تحتاج إلى إنعاش حقيقي، لا إلى مزيد من «الأتوبيسات الطائرة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *