المقالات
لغة الضاد ما لنا سواها
لغة الضاد ما لنا سواها
بقلم/الدكتور عبد الولي الشميري
الضاد حرف لا يوجد فى أى لغة سوى اللغة العربية الفصحى؛ لذلك أطلق عليها لغة الضاد واطلق على الأمة العربية أمة ،الضاد هذه الفصحى العربية هي أقدم لغة على وجه الأرض اليوم؛ لأنها ولدت في جنوب الجزيرة العربية وعرف بها يعرب بن يشجب بن قحطان الذى قلما يشكك مؤرخ في أنه نبي الله هود – عليه السلام – رسول الله إلى قوم عاد أمة من الأمم البائدة التي لم يبق لها على وجه الأرض أى أثر سوى أن الكتب السماوية ذكرتها ووصفتها بأن عادا كفروا ربهم وكذبوا برسالة نبيهم هود – عليه السلام – وكانوا قوما عظام الأجسام والتمرد وكان لهم مدينة على أنهار، وهي التي لم يخلق مثلها في البلاد؛ فيكفرهم وعنادهم أرسل الله عليهم و يريج صَرْمَرٍ عَايْبَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سبع ليالٍ وَنَمَنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لهم من باقية ) [الحاقة : 6-8] ، (أَلاَ إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لَّعَادٍ قَوْمٍ هُوير) [هود: 60].
كان عصر يشجب بن يعرب الجد الأول والمعروف بأبى اللغة العربية قبل الحضارات المعروفة لدينا اليوم أقدم من السبئية في اليمن والكنعانية في العراق والأشورية فى سوريا والفرعونية فى مصر. وغيرها من الأمم البائدة التي لا أثر لها ولا بقية من وشم على وجه الأرض، ثم إن قوم عاد وثمود كانوا قبل أبي الأنبياء إبراهيم – عليه السلام – الذي بدأ تاريخ الحضارات والدول المعروفة لدينا اليوم ببداية الصراع بينه وبين الملوك المتألهين. وقد كانت اللغة العربية لم تبرح بلاد اليمن حتى عصر سيدنا إسماعيل بن إبراهيم وأمه المصرية هاجر – عليهم السلام – حيث وفد إليهما في مكة المكرمة بجوار البيت الحرام وفد من تجار اليمن يرتحلون بين الشام واليمن، فأقاموا عند بئر زمزم وجاور أصحاب البئر سيدنا إسماعيل وأمه، وتزوج منهم سيدنا إسماعيل وتعلم اللغة العربية من قبائل قحطان اليعربية وهى العرب العاربة، ثم ساحت اللغة العربية في شمال الجزيرة والحجاز وبادية الشام، وسميت بالعربية المستعربة، وكان ذلك الانتشار للغة العربية فى شعوب الشمال والشرق من الجزيرة العربية وبادية الشام سببا في خدمتها وتحديث بعض مصطلحاتها وتطوير دلائل الألفاظ فيها حتى وطئت أكنافها وتداولها العرب وجيرانهم من المستعربين .
وتعزز موقفها بالعالمية والخلود عند ما جاء الوحى السماوى من عند الله بالقرآن الكريم بلسان عربي مبين، وأنزل فى ولد النبى إسماعيل على محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – فكانت العربية الفصحى لغة مشتركة بين كل من ينتمى إلى الإسلام أو يدخل تحت ذمته فى كافة أقطار الأمة العربية كافة، وكذلك بأنها لغة شاعرية إيقاعية وجدانية قرآنية، ومن هذا المنطلق تحدى الله تعالى الفصحاء والبلغاء بأن يأتوا بمثل هذا القرآن ونطق رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – بالتحدى أيضا فقال – وهو الأمى – أنا أفصح العرب».
ولما امتد الفتح الإسلامى على أيدى المسلمين الأوائل تبدلت الشعوب
المفتوحة بالإسلام بلغاتها العامية والقبائلية واللهجات الدارجة : اللغة العربية، وتوحدت الأمم والشعوب على لغة واحدة قاسما مشتركا بينها، وهي لغة الضاد العربية الفصحى ولغة القرآن الكريم ولغة التشريع النبوى في الأحاديث النبوية ولغة الشعر الجاهلى المتين، وعلى كاهل لغة الضاد أقام العرب والمسلمون مجدا وحضارات ومدنيات وتراثا علميا ثمينا، وغصت المكتبات بالملايين من المخطوطات فى كافة العلوم الإنسانية والعلمية واللغوية كلها بالعربية الفصحى شعرا ونثر فحفظت لشعوب أمتنا العربية مع الفتح الإسلامي لأعماق أوربا فى بلاد الأندلس وآسيا الصغرى وتركيا. وبامتداد دعوة الدين الإسلامي في بلدان جنوب شرق آسيا امتدت اللغة العربية في تلك البلدان كلغة باركتها السماء بالقرآن الكريم ولغة الدين الإسلامي وأحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – فكانت لغة الدواوين الحكومية والمدارس العلمية والمحاكم الشرعية في الهند والسند والقوقاز ردحا من الزمن، فكان الناطق بالعربية يستطيع التعايش مع كافة أبناء القارات القديمة الثلاث كافة أوربا وآسيا وإفريقية، وكان الأصل أن على من لم يتكلم العربية أن يبحث عن مترجم يساعده أو يلتحق بأى كتاب ليتعلم فيه اللغة العربية، وكانت حركة التعريب في أوربا تعرف بالمستشرقين.
أما بعد فما بال أحبابنا العرب داخل عقر دار اللغة العربية وعلى مائدتها وفي مهبط الوحى وفى شعوب مجد الأمة يحاولون تمزيق هذه اللغة آخر رمز قومي للوطن العربي الواحد بدعوات الضرار فهذا المستعرب يريدها فرانكفونية فرنسية فقط، وذلك المتآمر يريدها إنكليزية فقط، وذلك الذي لا يريد أن يتعلم منهج اللغة العربية حتى للمرحلة الإعدادية وأصبح يدعى أنه شاعر العامية واللهجات الدارجة الخاصة بمجموعة قليلة من الناس، وآخر يقول الشعر العامي بالنبطية، وآخر يريدها لغة بربرية، فإلى متى وإلى أين يا أمة الضاد؟! ألا يكفى خصوم لغتكم من خارج أوطانكم ؟! ألا ترون أنكم بالترويج للعامية
الدارجة غير الفصحى تنحرون ثقافتكم وترائكم وتخذلون أمجادكم؟!
أنا أحب للموهوبين والشعراء والمبدعين فى كل المجالات وأربابهم أن يكونوا حزبا ينصر لغتهم الفصحى كلنا نملك لهجات عامية وألفاظا قديمة غير عربية أو محرفة أو مصحفة عن ألفاظ عربية نحسنها جيدا ونعنى بها، ولكن أخاطب بها فى ريفى القدامى كبار السن الذين لا يفهمون ولا يعرفون سواها، لا لأقف خطيبا وشاعرا بها على شاشات التلفاز وفي الصحف وعلى المنابر وأمامي الأساتذة والعلماء المؤلفون.
إنني أدعو إلى أن نتعلم لغات أمم أخرى وتعلمهم لغتنا ليس للتقليد والذيلية بمجرد أني عرفت التخاطب معهم ولكن لأفيدهم وأعلمهم من ثقافتي وحضارتى ما يجهلون وأتعلم منها المفيد الجديد الحفاظ على اللغة العربية الفصحى لغة الضاد . مع
ولا للعامية في كل شعوبنا العربية ؛ حتى لا نضيع الفصحى ويصدق فينا قول الشاعر :
غراب تَعَلم مَشَى القطا *** وقد كان يحسن مشى الحجل
فلما تعلم هذا وذاك *** فلا ذا تأتى ولا ذا حصل
لغة الضاد ما لنا سواها