الرئيسيةمقالات“ماذا لو غدر بي ؟ “
مقالات

“ماذا لو غدر بي ؟ “

“ماذا لو غدر بي ؟ ”
(إضاءة خافتة على خشبة شبه فارغة
صوت خافت لعصافير بعيدة ثم يتلاشى ،
على المسرح زهرة ذابلة
موضوعة على كرسي صغير )
صوت خارجي هادئ :
هذه قصة امرأة لم تقتلها ولم تُحطمها الخيانة
بل وجدت في قلب الألم نوراً لم تتوقعه ،
هذه قصة سميحة .
(الإضاءة مركزة على وسط المسرح حيث تقف سميحة
ترتدي ثوباً بسيطاً ، تمسك وردة ذابلة )
سميحة : أتعرفون ما هو الغدر ؟
هو حين يتسلّل أحدهم إلى قلبك حافي القدمين
كطفل تائه تبحث له عن دفء
ثم يخرج منه تاركاً وراءه نصلاً مغروساً في النبض
كنت أظن أن الغدر طارئ و صدفة قاسية
لكنني اليوم أراه قانوناً من قوانين الضعف الإنساني
فمن يغدر لا يفعلها لأنه قوي
بل لأنه لا يحتمل أن يرى فيك ما فقده في نفسه :
الصدق والنقاء والإيمان بأن للروح
وزناً في زمن من المعدن
(تجلس ببطء على الأرض ، تضع الوردة بين ركبتيها
تتحدث إلى نفسها بصوت منخفض)
كنت أثق
كمن يمشي في الحلم مطمئناً لأن النية طاهرة
لم أسأل نفسي يوماً :
هل يستحق هذا القلب أن يُفتح له الباب ؟
كنت أظن أن من يعطي لا يخسر
لكني لم أكن أعرف أن العطاء بلا وعي
قد يكون شكلاً من الانتحار
( تدور ببطء حول نفسها كأنها تبحث عن شيء ضائع
إضاءة زرقاء خافتة )
أين ذهبت تلك المرأة التي كانت تُصدق النظرات
وتبني على الكلمة عالماً كاملاً ؟ هل ماتت ؟
أم تعلّمت فقط أن لا تُسلم مفاتيحها
لمن يبتسم أكثر مما يحب ؟
الغدر لا يأتي فجأة فهو يختبئ في التفاصيل الصغيرة :
في جملة ناقصة ، في نظرة عابرة
في صوت تغير ولم نُرد أن نعترف بذلك
ثم حين يقع ، لا يطرق الباب
بل يدخل كظل يعرف ممراتك من قبل أن تُضاء الأنوار
( تتقدّم نحو المرآة ، تلمس وجهها في الانعكاس )
صوت سميحة الداخلي : وما الذي يؤلمك يا سميحة ؟
هل فقدتِ من غدر بك ؟ أم فقدتِ ثقتك بنفسك ؟
سميحة : كلاهما وربما أكثر
فالغدر لا يسرق شخصاً من حياتك فحسب
بل يسرق منك قدرتك على الاطمئنان
سميحة تتحدث ببطء وحزن عميق :
أدينك أيها الغدر وأدين نفسي أيضاً
لأنني لم أحم براءتي كما يجب
لكنني أعذر نفسي ، لأن من يحب لا يحتاط
( سميحة تنهض ، ترفع الوردة نحو الضوء )
كنت أظن أن الورد يموت حين يذبل
لكنني اكتشفت أنه يظل جميلاً حتى في موته
لأنه عاش صادقاً أعطى عطره حتى النهاية
وأنا سأكون مثل تلك الوردة
أنزف عطري ، لا ندمي
( إظلام تدريجي ، صوت سميحة من الظل ) :
من غدر بي ، خسرني ،أما أنا فربحت نفسي
(سميحة تعود وتجلس أمام المرآة ، تمشط شعرها
وتتذكر يوم عاد بعد أعوام)
الغادر : سميحة
(سميحة لا تلتفت)
سميحة :صوتك تغيّر
صار أثقل كأنك تحمل شيئاً لا يُقال
الغادر : ربما الذنب
جئت لأعتذر
( صمت طويل و سميحة تراقبه في انعكاس المرآة )
سميحة : أتذكر كيف كنت تنظر إليّ ؟
كنتَ ترى في شيئاً يخيفك
الغادر : كنت أراكِ كاملة والكمال يخيف الناقص
سميحة : إذن ، لم تغدر بي لأنني أخطأت
بل لأنك لم تحتمل صدقي
كنت مرآتك وكل ما في كان يذكرك بما فقدتَه في نفسك
الغادر : كنت أحمق
ظننت أنني أتحرر منك بجرحك
لكنني حين غادرت حملتك في داخلي كندبة لا تندمل
سميحة : الندبة ليست حباً ، بل دليل على خطأ
وأنا لا أحتاج أن أكون خطأك كي تتذكرني
هل تدري ما الغدر يا رجل ؟
ليس أن تخون ، بل أن تجعل من أحبّك يخاف من الحب
أن تزرع في قلب طاهر فكرة الخوف من النقاء
الغادر : سامحيني
( سميحة تبتسم بمرارة)
سميحة : حين سامحت نفسي
لم أعد أحتاج أن أسامحك
( سميحة تفتح النافذة ، يدخل ضوء ناعم )
سميحة : انظر
العالم لم يتوقف حين رحلت
الشمس ما زالت تُشرق
أما أنت فما زلت واقفاً في الظل
الغادر : أيمكن أن نبدأ من جديد؟
سميحة : لا ، لأن البداية التي تأتي بعد الخيانة
لا اسم لها هي ليست حباً ولا كرهاً
هي فقط نسيان مؤدب
أتعرف ؟ اتذكر عندما اقبلت وطرقت على باب قلبي
ارتجفت ، وتنبهت روحي التي كانت غافية
في ركن بعيد مني ، هرولت إلى شرفة قلبي
فوجدتك واقفاً هناك وفي يدك تلك الوردة
ولكنها لم تكن ذابلة
( تعطيه الوردة الذابلة ) احتفظ بها.
هي تشبهنا : جميلة حين كانت حيّة
ومؤلمة حين ماتت.
يخرج وتبقى سميحة وحيدة
سميحة بصوت داخلي :
من غدر بي ، علمني أن أختار نفسي
(سميحة تجلس إلى المائدة وتكتب رسالة وتقرأ بصوت واضح)
إلى نفسي التي نجت
أكتب إليك بعد أن عبرتِ النهر
بعد أن غسل الألم وجهك بالماء والدمع
فصرتِ أصفى مما كنتِ
وأقرب إلى حقيقتك من أي وقت مضى
( تضع القلم ، تنهض و تبتسم . الإضاءة تملأ المسرح تدريجياً )
أتعرفون ماذا يحدث بعد الغدر؟
نظنّ أننا لن ننهض ، ثم ننهض بلا رغبة في الحياة
ثم نعيش بلا معنى
ثم ذات صباح صامت
نستيقظ فنجد في داخلنا سلاماً غامضاً
ذلك هو الضوء
ليس من الخارج ، بل من القلب
الذي تعب من البكاء فصار يضيء
كنت أظن أن النسيان هو الحل
لكن الشفاء الحقيقي أن تتذكر بلا ألم
أن ترى الجرح كذكرى ، لا كلعنة
من غدر بي حرر شيئاً كان نائماً في داخلي
أنا لستُ ضحية الغدر ، أنا ابنة التجربة
من يعيش الحقيقة حتى نهايتها يولد من جديد
( تمزق الرسالة ، ترميها في الهواء
قصاصات الورق تتطاير كأجنحة صغيرة )
لا حاجة للكلمات بعد الآن
السكينة تتكلم بصمتها
سامحت لا لأنهم يستحقون
بل لأنني أستحق أن أكون خفيفة
ها أنا أعود إلى الضوء ، لا كمن هربت من الجرح
بل كمن خرجت منه مضيئة
من غدر بي ، أعطاني درساً في الحب
لكنني أنا صرت الحكمة
ستار
طارق غريب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *