ادب وثقافةالمقالات

مبررات ديكارت لإثبات وجود الإله:

مبررات ديكارت لإثبات وجود الإله:

د.عبدالواحد الجاسممبررات ديكارت لإثبات وجود الإله:

مبررات ديكارت لإثبات وجود الإله:

ينتقل ديكارت في التأمل الثالث إلى تناول وجود الإله وطبيعته، ويثبت وجوده بدليلين، وفي التأمل الخامس يستخدم دليلًا ثالثًا. وجدير بالذكر أن الذي جعل ديكارت ينتقل من إثبات وجود الذات المفكرة إلى البحث عن يقين آخر وهو الإله ويشرع في إثبات وجوده هو أنه استمر في ممارسة شكه، ذلك لأنه رأى أن مجرد إثبات وجود الذات لا يكفي كي يصل إلى يقين مطلق حول باقي أفكاره وحول العالم .

 

           أدلة وجود الإله:

 

الملاحظ أن ديكارت يتوصل إلى وجود الذات المفكرة لا بأدلة وبراهين عقلية مثل التي يستخدمها في إثبات وجود الله، بل بالحدس والبصيرة. ذلك لأن السلسلة التي ينتقل فيها من الشك إلى اليقين بوجوده باعتباره كائنًا مفكرًا، والتي يقول فيها: «أنا أشك إذن أنا أفكر، إذن أنا موجود» ليست ببرهان عقلي بل هي في حقيقتها برهان حدسي وذلك لأنه يبحث في ذاته عن فكرة أخرى غير فكرة الذات المفكرة ويجد فكرة الإله، وهذا هو طريق الحدس الذي يثبته بعد ذلك عقليًا في صورة أدلة.

وكونه يعرف فكرة الإله بحدس باطني يجعل فلسفته مشابه لفلسفة القديس أوغسطين التي تعتمد على نفس الوسيلة وهي الحدس والبصيرة الداخلية لاكتشاف فكرة الإله داخل النفس. 

 

الدليل الأول:

 

وهو دليل الكمال. يميز ديكارت بين نوعين من الوجود: الوجود الموضوعي والجود الفعلي أو الواقعي. الوجود الفعلي هو وجود الأشياء المحسوسة الحاضرة أمامنا في هذا العالم، أما النوع الآخر من الوجود فهو الوجود الذي يتمتع بصفات الكمال.

وفي ذلك يقول ديكارت: «إن إلهًا أعلى أبدي لا متناهي كلي العلم والقدرة وخالق لكل شيء خارجًا عنه حاصل على حقيقة موضوعية في ذاته أكثر من تلك العناصر المتناهية».

 ويبني ديكارت استدلاله هنا على أساس أن الخالق أكثر حقيقة من المخلوق، والكامل أكثر حقيقة من الناقص، والكلي العلم والقدرة أكثر حقيقة من ناقص العلم والقدرة، واللامتناهي أكثر حقيقة من المتناهي. 

 

ويذهب ديكارت إلى أن كل تلك الصفات التي نعرفها عن الإله يجب أن تكون لها أسباب لوجودها، ولا يكون الإنسان هو مخترعها، ذلك لأن الإنسان ناقص وبذلك لا يمكن أن يكون هو سبب فكرة الكمال. كما أن كل تلك الصفات يجب أن ترجع إلى علة كافية وضرورية وهي الإله نفسه الموجود .

 

الدليل الثاني:

 

وفيه يثبت ديكارت وجود الإله انطلاقًا من وجوده هو، بمعنى أنه ليس سببًا لوجود نفسه، وبالتالي يجب أن يكون هناك كائن خالق هو الذي أوجده. يقول ديكارت: «واسأل نفسي، من أين أحصل على وجودي؟ ربما من ذاتي أو من والديَّ، أو من أي مصدر آخر أقل كمالًا من الإله؟».

ذلك لأن الأقل كمالًا من الإله لا يمكن أن تكون لديه القدرة على الخلق من العدم.

و إدراك الأشياء وفهمها وحسب وليس حائزًا على قدرة إيجادها أو خلقها من العدم، فهذا يعني أن الإنسان لا يمكن أن يكون سببًا في وجوده، وبالتالي فهذا السبب يكون أكثر قدرة من الإنسان. وإذا كان الإنسان قادرًا على إيجاد نفسه من العدم فمعنى هذا أنه قادر على الحصول على الكمال، لكن الإنسان ناقص، وبالتالي، فهو لا يمكن أن يكون سببًا في وجود ذاته، ولا يمكن أن يكون سبب الوجود إلا الإله الكامل.

 أن هذه الحجة هي في حقيقتها ليست حجة لإثبات وجود الله وحسب بل حجة على استمرار خلقه واستمرار العناية الإلهية. فديكارت يعتقد في أن الإله لم يخلق الإنسان والعالم في لحظة من الزمان ثم انتهى عمله عند ذلك، بل كان يعتقد في نظرية الخلق المستمر والعناية الإلهية تلك النظرية المستمدة من فلسفات العصور الوسطى.

 

الدليل الثالث:

 

ويسمى هذا الدليل بالدليل الأنطولوجي، وذلك لسببين .

 الأول أنه يستخلص وجود الإله من فكرة الكائن الكامل .

والثاني أنه يوحد الفكر والوجود في حالة الإله، ويعتبر أن الإله باعتباره فكرة مساويًا للإله باعتباره وجودًا حقيقيًا. ويحتوي هذا الدليل على مسلمة منطقية تذهب إلى أن ما هو ممكن ومقبول منطقيًا يمكن وجوده واقعيًا، بمعنى أننا إذا كنا نستطيع تصور أن المفهوم أ ينطوي على المفهوم ب، فمعنى هذا أن الشيء المسمى أ ينطوي على الشيء المسمى ب، فالعلاقة المنطقية التي تدرك بيقين وتميز في الفكر يمكن وجودها واقعيًا خارج الفكر. 

ويسير الدليل الثالث بنفس الطريقة، إذ يذهب ديكارت إلى أن لديه فكرة واضحة ومتميزة عن الكائن الكامل، وهذا الكائن لا يمكن أن يفتقر إلى أي صفة بما فيها صفة الوجود. ومن التناقض تصور فكرة الإله باعتباره الكائن الكامل دون تصور وجوده، ذلك لأن الكائن الكامل غير الموجود حقيقة يعد تناقضًا ونقصًا في فكرة الكمال ذاتها، وبالتالي فإن الوجود جزء من مفهوم الإله، إذن الإله موجود.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار