الدكروري يكتب عن الحرب والسلام
الدكروري يكتب عن الحرب والسلام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن السماحة تكمن في تحمل الأذى من الناس، وطلاقة الوجه واستقبال الناس بالبشر، فقد قال معلم البشرية وخير البرية صلى الله عليه وسلم “تبسّمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل في أرضِ الضلالة لك صدقة وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريقِ لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة” وإن الحرب نقيض السلام ولقد أجهدت الحروب والصراعات على مر الزمان شعوب الأرض كلها، فالجميع يطمح اليوم إلى السلام الذي يستجيب لآمالهم وأمنياتهم، ويؤمن لهم حياة رغيدة دون خوف من القذائف بكل أنواعها، أو الرصاص أو القنابل أو الأسلحة النووية، فهذه الأمور تخيف الكبار، وتقضي على طفولة الأطفال.
وتهدم المنشآت والحضارات والإرث التاريخي للأوطان، كان جري شعوب العالم جميعا جريا مُجهدا وراء الوصول للغاية العظيمة الذي يطمح لها الجميع، والذي أسست لها ودعمتها الديانات السماوية جميعها على مر الزمان فقد دعت كلها إلى المحبة، والرحمة، والتآخي، والمودة، وبناء المستقبل المشترك بين كافة الشعوب والأعراق والأجناس، فالسلام اسم نسبه الله إليه ضمن أسمائه الحسنى، وهو تحية المسلمين، ودعوة الأنبياء جميعا، وهو ما يدعى به بعد الانتهاء من الصلاة وكأنها وصية أنزلها الله للأرض لكي يؤمن بها ويتقلدها الناس، ويكفي أن كلمة السلم بمشتقاتها قد جاءت في القرآن الكريم مائة وأربعين مرة، بينما جاءت كلمة الحرب بمشتقاتها ست مرات فقط، والفرق بين العددين.
هو الفرق بين نظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كلا الأمرين، ففي معظم أحواله صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له، ويحرص على تجنب الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وذلك إلى حد قد يتعجب له المحللون والدارسون كثيرا، وقد نص الميثاق التأسيسي لليونسكو في ديباجته على عدة نقاط منها هو لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبني حصون السلام، ولا يمكن أبدا إهمال الدور الذي يحتله كل من السلام والتصالح والرحمة في الحياة اليومية فقد خُلق الإنسان ليعيش في سلام وأمان واطمئنان، ولم يُخلق ليقتل ويُباد، وما يمكن تحقيقه في أوقات السلام أضعاف ما يمكن تحقيقه في النزاعات الدموية.
والحروب والكوارث البشرية، ويمكن تلخيص أهمية السلام في الحياة بأن السلام يحول الرديء إلى حسن وإن الجنس البشري يمتلك صفة فريدة من نوعها وهي تحويل السالب إلى الموجب، وفقا للطبيب النفسي الألماني ألفريد إدلر، وهذه الصفة لا يمكن أن تتحقق إلا بالاستقرار النفسي الذي يحقّقه السلام، فدماغ الإنسان كنز للقوة اللامتناهية، فإذا فقد طمأنينة النفس وقت الأزمات والحروب، فإنه لن يستفيد من قدرته العقلية بطريقة مجدية، حيث إن الحروب والدمار عقبة في طريق التطور البشري لأنها توقف مسبباته من طمأنينة وسكينة واستقرار، وحين يتمكن الإنسان من المحافظة على السلام في كل الأوقات فإن كثيرا من الإمكانات تتفتح أمامه، وهذا ما يحدث عند تحويل السالب إلى موجب.
وإن آثار السلام تعم الكائنات كلها فإن السلام مهم للكائنات الحية كلها على وجه الأرض أو في الفضاء الذي يحيط بالكرة الأرضية، ولا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحده وذلك لأن انعدام السلم والأمن وشيوع الحروب يتجاوز أثره وخرابه ودماره إلى حدود أبعد مما يمكن تصوره فتتضرر الحيوانات وتفقد مساكنها وبيئاتها، وتحرق الأشجار والغطاء النباتي، الذي يفيد كلا من الحيوان والإنسان، كما تفنى الموارد.