الدكروري يكتب عن العقل أساس الأعمال
بقلم / محمـــد الدكـــروري
يقول احد الصالحين لبنيه يا بني اذا ذكر الصالحون نزلت الرحمة فقال الغلام يا ابي اذا ذكر الصالحون نزلت الرحمة ؟ فقال الاب نعم فقال يا ابي فكيف اذا ذكر الله فقال يابني اذا ذكر الله نزلت الطمأنينه ألم تقرأ قول الله تعالى كما جاء في سورة الرعد ” الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب” فقيل يؤتى يوم القيامة برجل معه تسع وتسعون سجلا من السيئات والأعمال السيئة مملؤه بالأعمال السيئة، كل سجل منها مد البصر، فيقال له هل لك من حسنة؟ فيستحي ويقول لا يا ربي، فيقال له بلى إن لك عندنا حسنة وأنك لا تظلم، فيؤتى ببطاقة يعني ورقة صغيرة مكتوب فيها لا إله إلا الله فتوضع لا إله إلا الله في كفه وتوضع السجلات التسع والتسعين، كل سجل مد البصر توضع في كفه.
فترجح بهن لا إله إلا الله فيدخل بذلك الجنة، فهي كلمة عظيمة لها وزنها عند الله، ولكنها ليست لفظاً يقال باللسان فقط، وإنما هي كلمة لها معنى، ولها مقتضى لابد من معرفة معناها، ولابد من العمل بمقتضاها، فلا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلى الله، وكل معبود سواه فهو باطل، وقد سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم “من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه” ولا يدرك كل ذلك إلا أولو الألباب، أي أصحاب العقول النيرة، ولقد وجب علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة العقل، ونستعملها في الفضائل وطمس معالم الرذائل، ونحفظها من جميع المفسدات الحسية والمعنوية.
ونحصنها بالوعي التام والثقافة النظيفة، والمراقبة الكاملة لخالقها وواهبها سبحانه وتعالى، وعلينا أن نعلم أن العقل البشري له حدوده التي لا ينبغي أن يتجاوزها بتفكيره لأنه إذا سبح في غيرالمألوف تاه وتحير، وتفرق وتضرر، فمن منحه الله منحة العقل فقاده إلى الخير، وعقله عن الشر فما أعظم ما منح، وما أحسن ما به مدح، ولقد منح الله تعالى عقل الإنسان شأنا عظيما فجعله مناط التكليف، وعلامة الصلاح للأمر والنهي، فمن ملكه صار مكلفا، ومن قصر عنه كالأطفال أو فقده كالمجانين سقط عنه التكليف، فكان العقل بهذا أساس الأعمال وينبوعها، والمميز بين الأشياء ومرجعها، فلا تكليف على قاصر حتى يبلغ، ولا على مجنون حتى يعقل، وقد ذكر الله تعالى في الآيات الكريمة العقل والألباب والنهى والحجر.
وهي أسماء لمسمى واحد، معناه ما يعقل الإنسان وينهاه ويحجره عن المكروهات، وفي هذه العناية القرآنية إشادة بشأن العقل، وبيان لمنزلته السامية، ورتبته العالية في إدراك الأمور، والإفادة من الآيات والعبر، فالعقل نعمة عظيمة من نعم الله على الإنسان، فبه يهتدي إلى مصالح دينه ودنياه، وهو وهبة سنية وهبه إياها ليستعملها فيما ينفعه في عاجل أمره وآجله، لكن أكثر الناس استعملوها في منافع الدنيا، ولم يستعملوها في منافع الآخرة، فأخذوا أدنى الحظين، وفوتوا على أنفسهم أعلاهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق” وإذا أردتم أن تعرفوا فضل الله عليكم بهذه النعمة فانظروا إلى من فقدها كالمجانين.
وأصحاب الأمراض العقلية، وانظروا إلى المجانين في الشوارع، واحمدوا الله على نعمته، واسألوه دوام فضله، ومما يبين لنا عظم هذه النعمة وأهميتها في الشريعة الإسلامية كذلك أن الجناية على العقل حتى يخرج عن حد التكليف توجب الدية كاملة كدية النفس لأن العقل أشرف المعاني والأعضاء، وهو من أعظم آلات السعادة وصلاح الحياة، ولقد اهتم الإسلام بالعقل اهتماما كبيرا، وأعلى من منزلته وقيمته ما ورد في كتاب الله تعالى من الآيات الكريمة التي تؤكد هذه الأهمية وتلك المكانة.