الدكروري يكتب عن الجيران ثلاثة
الدكروري يكتب عن الجيران ثلاثة
بقلم / محمـــد الدكــــروري
إن التفرقة هلكة، وإن الجماعة نجاة، وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه “عليكم بالجماعة فإنها حبل الله المتين، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفُرقة، فالجماعة رحمة، والفُرقة عذاب حتى لو حصل اختلاف لا يحصل افتراق، يسعنا ما وسع السلف، فالخير أن نبقى مجتمعين، وإن كان هناك شيء مِن الكدر، فكدر الجماعة خير من صفو الفرد، وأن نبقى مجتمعين ونحافظ على كياننا الدعوي القائم على منهج رباني، على عقيدة صافية، وعلى اتباع نهج السلف والتأسي بهم، ونحافظ على كياننا الدعوي حتى يكون لنا وزن وتأثير، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
“الجيران ثلاثة، جار له حق واحد وهو أدنى الجيران، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق” أما من حيث القرب، فالجار إما يكون قريبا منك، أو بعيدًا، ملاصقًا أو غير ملاصق، ورتبة هؤلاء تتفاوت من حيث عدد الحقوق ومدى القرب، والجار الأقرب يقدم على الجار الأبعد، وهو ما استشعره علماء الإسلام، فهذا الإمام البخاري نجده يبوب في كتابه الأدب المفرد، باب الأدنى فالأدنى من الجيران، وذلك تنبيها على قدره، ويترتب عليه حُسن المعاملة، والوقوف بجانبه، واجتناب أذيته، وهذا من شأنه أن يكفل التعايش بين الناس في طمأنينة ورحمة، وإن حقوق الجار كثيرة عديدة وهي في الجملة دائرة على ثلاثة حقوق كبرى.
وهى الإحسان إليهم، وكف الأذى عنهم، واحتمال الأذى منهم، فأما الحق الأول، فإنه الإحسان إلى الجيران، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بذلك في كتابه، فقال سبحانه كما جاء فى سورة النساء” واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم” ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره” رواه مسلم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار، وجعل ذلك من لوازم الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره”
وإن من الإحسان إلى الجيران سلامة القلب عليهم، وحب الخير لهم، ففي البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” والذى نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه” وفي هذا تأكيد حق الجار، وأن الذي لا يحب لجاره ما يحب لنفسه من الخير، فإنه ناقص الإيمان، وفي هذا غاية التحذير ومنتهى التنفير عن إضمار السوء للجار قريبا كان أو بعيدا، وإن من الإحسان إلى الجار الحرص على بذل الخير له قليلا كان أو كثيرا كما قال الله تعالى فى سورة الطلاق ” لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا”
وإن الحق الثانى للجار، هو احتمال أذى الجار، فللرجل فضل في أن يكف عن جاره الأذى، وله فضل في أن يذود عنه، ويجيره عن أيد أو ألسنة تمتد إليه بسوء، وله فضل في أن يواصله بالإحسان جهده، وإن هناك فضل رابع، وهو أن يغضي عن هفواته، ويتلقى بالصفح كثيرا من زلاته وإساءاته، ولا سيما إساءة صدرت عن غير قصد، أو إساءة ندم عليها وجاء معتذرا منها، فاحتمال أذى الجار وترك مقابلته بالمثل من أرفع الأخلاق وأعلى الشيم، ولقد فقه السلف هذا المعنى وعملوا به، وروى المروذي عن الحسن، ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى، فيقول الغزالي رحمه الله.
“واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط، بل احتمال الأذى، فإن الجار أيضا قد كف أذاه، فليس في ذلك قضاء حقه، ولا يكفي احتمال الأذى، بل لا بد من الرفق، وإسداء الخير والمعروف، وإن الحق الثالث، هو كف الأذى فقد تقدم أن للجار مكانة عالية، وحرمة مصونة، ومن أجل ذلك جاء الزجر الأكيد والتحذير الشديد في حق من يؤذي جاره، فالأذى بغير حق محرم، وأذية الجار أشد تحريما.