الدكروري يكتب عن والله لا يؤمن
الدكروري يكتب عن والله لا يؤمن
بقلم / محمـــد الدكــــروري
إن الإسلام يدعو الإنسان إلى التواضع واحتقار عمله لأنه يرى إخوانه ممن هو أكثر منه همة في الدعوة وطلب العلم والبذل والعبادة، فيحتقر عمله، ولا يرى لنفسه فضلا، فالعمل الجماعي يدعو العامل إلى الإخلاص، وألا ينسُب العمل لنفسه، بل ينسبه إلى الكيان والدعوة كما قال الإمام الشافعي “وددت لو عمل الناس بعلمي، ولا ينسب إليّ من ذلك شيء” فالعمل الجماعي فيه من التضحية واحترام العلماء والدفاع عنهم ونشر فضلهم، فيه حسن الظن بالآخرين والالتفاف حول أولي الفضل والعلم، فيه تحقيق معاني الأخوة الإيمانية، والحب في الله، والتعاون على البر، وكما يجب أن نتفقد إخواننا ونسأل عنهم.
ولا نتركهم للشيطان أو للشبهات أو الأزمات وضغوط ومسؤوليات الحياة، ولقد جاء في صحيح البخاري عن أبي شريح، عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال” والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله؟ قال” من لا يأمن جاره بوائقه” وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره” وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم “يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا خير فيها، هي من أهل النار، قالوا وفلانة تصلي المكتوبة، وتصدق بأثوار، ولا تؤذي أحدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هي من أهل الجنة” ولفظ الإمام أحمد، ولا تؤذي بلسانها جيرانها، بل لقد جاء الخبر بلعن من يؤذي جاره، ففي حديث أبي جحيفة، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال له اطرح متاعك في الطريق، قال فجعل الناس يمرون به، فيلعنونه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، ما لقيت من الناس؟ قال وما لقيت منهم؟ قال يلعنوني، قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فقد لعنك الله قبل الناس، قال يا رسول الله، فإني لا أعود” وإنه لا شك أن لأداء حقوق الجار وحُسن الجيرة أثرا بالغا في المجتمع وحياة الناس، فهو يزيد التراحم والتعاطف، وسبيل للتآلف والتواد، به.
يحصل تبادل المنافع وقضاء المصالح واستقرار الأمن، واطمئنان النفوس، وسلامة الصدور، فتطيب الحياة، ويهنأ المرء بالعيش فيها، فلو أحسن كل جار إلى جاره، لظللت المجتمعات السعادة، ولعاشت كأنها أسرة واحدة، فتنصرف الهِمم إلى الإصلاح والبناء والسعي نحو الرقي والتقدم، ويتضح مما سبق البعد الإنساني للدين الإسلامي الذي يحرص على تحقيق روح المودة بين المسلمين بسبل شتى بالترغيب في مرضاة الله عز وجل، ولقد كان الجيران إلى زمن قريب متآلفين يعرف بعضهم بعضا، يتشاركون في معايشهم وأرزاقهم ويتحمل بعضهم بعضا، ويحفظ بعضهم جاره إذا غاب، ويدعو بعضهم لبعض في صلواته وخلواته.
حتى من شدة قوة علاقاتهم شاهدنا كثيرا منهم يضع بابا بينه وبين جاره لسهولة التواصل، فكانوا يدركون عظمةَ بر الجار والإحسان إليه، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، دلنى على عمل إذا عملت به دخلت الجنة، قال صلى الله عليه وسلم” كن محسنا” قال كيف أعلم أنى محسن؟ قال صلى الله عليه وسلم” سل جيرانك، فإن قالوا إنك محسن فأنت محسن، وإن قالوا إنك مسئ فأنت مسئ” رواه الحاكم.