مزيد من المتغيرات على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية
كتب/ أيمن بحر
تدفع جملة التوترات الجيوسياسية التى يشهدها العالم إلى نذر مزيد من المتغيرات على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية تعزز ذلك المنافسة بين عددٍ من الأقطاب لا سيما بين الولايات المتحدة الأميركية والصين وخيوط الحرب التجارية الممتدة بينهما.
تقع الولايات المتحدة فى القلب من تلك التأثيرات الناجمة عن التطورات الجيوسياسية الأخيرة بما فى ذلك الحرب فى أوكرانيا والمتغيرات التى تشهدها أوروبا تبعاً لذلك فى ضوء الضغوطات الاقتصادية التي أسفرت عنها الحرب فضلاً عن التوترات الأخيرة فى الشرق الأوسط بين حماس وإسرائيل، والسيناريوهات المفتوحة التى تحملها فى ضوء ضبابية المشهد الراهن.وفيما قادت الحرب فى أوكرانيا إلى مجموعة من المتغيرات فى العلاقات الاقتصادية لا سيما مع الحظر المفروض على روسيا والعقوبات الأميركية والغربية تزامنت مع تلك المتغيرات خطوات -من بينها خطوات أميركية وأوروبية- فى سياق إعادة هيكلة العلاقات مع مجموعة من الأطراف فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أى مدى يمكن أن تتطور تلك المتغيرات؟ وهل تسهم التوترات الحالية فى الشرق الأوسط فى دفع واشنطن لإعادة مراجعة وصياغة علاقاتها فى الشرق الأوسط؟
الصحافي البريطانى جنان غانيش أوضح فى مقال له نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية تحت عنوان (الولايات المتحدة تجد ما هو أكثر من الصين فى هذا العالم) أن الحرب فى أوروبا (الحرب فى أوكرانيا) ومنطقة الشرق الأوسط (التوترات بين حماس وإسرائيل) تعمل على إبطاء التحول نحو آسيا
وتحدث عن تركيز الولايات المتحدة بشكل أساسى على الصين وانعكاساتها على السياسات الأميركية والعلاقات مع عديد من الأطراف والمحاور مشيراً إلى أنه بعد أن استخفت النخب الأميركية بالصين لعقود من الزمن، بالغت فى التصحيح فى السنوات الأخيرة. كما أنه كان هناك توجه ذهنى نحو آسيا. لقد كان الأمر منطقيًا فى العالم فى ذلك الوقت عندما كانت أغلب المناطق الأخرى إن لم تكن سلمية فإنها خالية من الأزمات الحادة، بينما الآن هناك حرب برية فى أوروبا وأسوأ صراع تشهده الساحة الإسرائيلية الفلسطينية منذ السنوات الأولى من هذا القرن وفوضى جنوب الصحراء الكبرى والتى رأت فرنسا القوة الاستعمارية القديمة أنها تتجاوز قدرتها العسكرية على إصلاحها.
وذكر أن الولايات المتحدة تمر بالمرحلة الأكثر حرجاً فى دورة حياة الإمبراطورية. لقد انخفضت قوتها النسبية فى العالم إلى حد ما عن ذروتها على الإطلاق لكن أعبائها ليست كذلك. يجب أن تحدد أولوياتها وفى الوقت نفسه لا تجرؤ على ذلك.
وأفاد بأنه لو لم تقم الولايات المتحدة بإرسال حاملات طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط بعد هجوم حماس على إسرائيل أو تسليح أوكرانيا لكان الحديث يدور الآن عن الانعزالية أو قوة عظمى مترددة. وقد يميل الأعداء إلى اختبار إرادتها فى مكان آخر.
واختتم مقاله بتوضيح أنه لم يتبق لأميركا سوى السياسة الخارجية الوحيدة التى يمكن تطبيقها على الإطلاق بالنسبة لقوة عظمى وهى السياسة الخارجية التي تشكل المحور فى كل مكان.من جانبه يقول المستشار والخبير الاقتصادى الدكتور كمال أمين الوصال إن:
اعتبارات السياسة فى منطقة الشرق الأوسط تتغلب على اعتبارات الاقتصاد في السياسة الأميركية.
الاعتبارات السياسية لها الأولوية لدى صانع القرار الأميركى وذلك بسبب الدعم السياسى والاقتصادى غير المشروط لإسرائيل.
الولايات المتحدة لا تقوم بمواجهة المد الصينى والروسى الاقتصادى فى منطقة الشرق الأوسط إلا بما يتفق مع توجهاتها السياسية وهو ما يجعل علاقاتها الاقتصادية أضعف مع دول المنطقة مقارنة بما يمكن أن تكون عليه.
ويضيف:ربما ما يخفف من الآثار السلبية لذلك على الاقتصاد الأميركى أن دول المنطقة لا تقوم باستغلال أوراقها الاقتصادية مع الولايات المتحدة بالشكل الأفضل ويعنى هذا أنه إذا قامت دول المنطقة باستغلال إمكاناتها وأوراقها الاقتصادية بشكل أفضل لدفعت الولايات المتحدة ثمناً أعلى لتوجهاتها السياسية ولظهر الفشل الاقتصادى لها بشكل أوضح.
ويشار إلى أن حجم التبادل التجارى بين الولايات المتحدة الأميركية و17 دولة عربية بلغ حوالى 121.52 مليار دولار فى 2022، طبقاً لبيانات المجلس الإقليمى للغرف الأميركية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وبحسب تقرير سابق للمجلس نُشر فى فبراير الماضى فإن الصادرة الأميركية لهذه الدول بلغت نحو 57.67 مليار دولار، مقابل حوالى 63.85 مليار دولار صادرات تلك الدول لأميركا.ومن العراق يقول الخبير الاقتصادى الدكتور جعفر الحسيناوى:
من المؤكد أن الولايات المتحدة تحاول دائماً إعادة ترتيب أورقها لمواجهة التوسع الهائل فى الاقتصاد الصينى ومحاولتها الدؤوبة لجذب أكبر عدد ممكن من الدول النامية ذات المخزون الهائل من الموارد الأولية فى آسيا وإفريقيا.
الصين تتعامل مع هذه الدول على أساس المشاركة لا على أساس النفس الاستعمارى المصبوغ بطابع نهب خيرات الشعوب.
من أجل ذلك استخدمت الولايات المتحدة أساليب متعددة منها الترهيب (..) وفرض الأمر الواقع (..).ويعتقد بأن الاقتراح الأميركى الخاص بالطريق الذى ينطلق من الهند عبر (الممر الاقتصاى بين الهند والخليج وأوروبا) خلال قمة العشرين المنعقدة فى نيودلهى ما هو إلا إعادة لترتيب الأوراق لمنع التوجه نحو آسيا إذ لم يعبر هذا الطريق عن خط لنقل البضائع فحسب بل هو توحيد للمنشأة وللتبادل التجارى والثقافى والتبادل المالى والنقدى والأمني وتوحيد السياسات.. وهذا يعني وضع جدار عازل بين هذه الدول ذات الأهمية الاقتصادية لما تمتلكه من ثروات طبيعية هائلة (..).تعد الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية.
تضاعف حجم التجارة بين الجانبين تقريبا مقارنة بمعدلات العام 2012 ليصل إلى 431.4 مليار دولار فى العام الماضى مقارنة بـ 222.4 مليار دولار في 2012.
فى النصف الأول من العام الجارى بلغ حجم التجارة بين الجانبين (الصين والدول العربية) 199.9 مليار دولار.
منذ العام 2001 ظلت السعودية أكبر شريك تجاري للصين فى منطقة الشرق الأوسط. ومنذ عام 2013 أصبحت الصين أكبر شريك تجارى للسعودية.
وفى العام 2022 بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين أكثر من 116 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 33.1 فى المئة بحسب وكالة شينخوا الصينية.
كما ارتفع حجم التبادل التجارى بين الإمارات العربية المتحدة والصين إلى مستوى تاريخى خلال العام الماضى ليزداد بنسبة 37.4 بالمئة على أساس سنوي فى 2022 ليصل إلى 99.3 مليار دولار.من المملكة العربية السعودية يقول الخبير والمحلل الاقتصادى سليمان العساف فى تصريحات.لا أعتقد بأن الأحداث الحالية (التوترات بين حماس وإسرائيل) سوف تؤثر أو تغير على بوصلة علاقات الولايات المتحدة الأميركية الاقتصادية.
أميركا تحتاج المنطقة من ناحية الاستقرار واستمرار النفوذ وكذلك الحفاظ على أسعار نفط متوازنة واستقرار إمدادات الطاقة العالمية.
كذلك ترغب الولايات المتحدة فى بعد المنطقة عن المحور الصينى الذى أصبح يسبب مشاكل واسعة لواشنطن.
ويضيف: تبعاً لذلك لا أعتقد بأن ثمة تغيرات اقتصادية محتملة لا من ناحية التجارة والتبادل التجارى والعلاقات والروابط الاقتصادية.. إنما تأثيرات سياسية عسكرية فقط.ومن الكويت يلفت الخبير الاقتصادى محمد الرمضان إلى أثر التطورات الجيوسياسية الراهن على التوجهات الاقتصادية للولايات المتحدة على النحو التالى:
فيما يخص الحرب فى أوكرانيا وتأثيرها فقد رأينا الممر الاقتصادى كنموذج عاكس للتوجهات الأميركية وفى ظل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وبما يصب فى صالح الهند كبديل.
أما فيما يتعلق بالتوترات بين حماس وإسرائيل فالمسألة مختلفة ذلك أنه يمكن أن تكون هنالك تسويات مالية واقتصادية بين الولايات المتحدة وبعض الدول المجاورة بما يمكن من المساهمة في تهدئة الأوضاع (..).الوضع يعتمد على طبيعة التطورات التى يمكن أن تصير عليها الأمور لاحقاً. بينما الخوف الكبير من مظاهر الغضب الشعبية في الدول المحيطة وكذلك البعيدة وتأثيراتها.
ويشار إلى أن على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة الشهر الماضى فى نيوديلهى تم الإعلان عن جانب من تفاصيل مشروع الممر الاقتصادى والهادف للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط والذى يتيح عديداً من الفرص الواعدة للدول المشاركة عبر خلق طريق تجارية موثوقة وأكثر فعالية من حيث التكلفة وبما يعزز مرونة سلاسل التوريد الأمر الذي ينعكس بدوره على عديد من دول العالم بخلاف الدول التى يشملها الممر.يحظى المشروع بدعم أميركى ويضم عدة دول ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين وكابلات نقل البيانات. وقد وصف الرئيس جو بايدن هذا الاتفاق بأنه سوف يغير قواعد اللعبة.
من واشنطن يشير خبير المخاطر المالية محيى الدين قصار إلى أنه:
حتى الآن توجد تبعات اقتصادية واضحة (على الولايات المتحدة) بسبب ما يحدث (التوترات بين حماس وإسرائيل)
الأمر يعتمد على عاملين هما موقف الدول العربية وكذلك اتساع المواجهة.إذا لملمت الولايات المتحدة الأزمة قبل اتساعها فلا تبعات اقتصادية محتملة والعكس حال اتساع المواجهة والسيناريو الأول هو المتوقع.
وحول مدى تأثير الأوضاع السياسية الداخلية فى أميركا، لا سيما قبل انتخابات العام المقبل على قرارات وتوجهات بايدن وانعكاسات ذلك بالتبعية على العلاقات الاقتصادية يشدد على أنه لم تعد إسرائيل هى اللاعب الأول فى الانتخابات.مزيد من المتغيرات على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية