مصر قلب العالم وصانعة التاريخ
بقلم : علي فتحي
مصر هذه الأرض المباركة التي تحمل في طياتها تاريخًا ممتدًا لآلاف السنين وحضارة أثرت العالم بأسره لم تكن يومًا مجرد وطن بل هي مهد الإنسانية ومسرح الأحداث الكبرى التي شكلت مصير المنطقة بل والعالم أجمع عبر العصور ومنذ بدء الخليقة كان لمصر دور ريادي في تشكيل نظم الحكم حيث بدأت الحكاية مع الفراعنة الذين أسسوا أول نموذج للسلطة المطلقة في العالم فلم يكن الفرعون مجرد حاكم عادي بل كان يُعتقد أنه إله حي يجمع بين القوة الدنيوية والقدرة الإلهية يحكم شعبه بالعقل والتنظيم ويبني حضارة أذهلت البشرية بأهراماتها ومعابدها التي ظلت شاهدة على عبقرية الإنسان المصري القديمة هذه الدولة القوية التي اعتمدت على نظام مركزي محكم استطاعت توحيد القطرين ونشر العدالة بين شعبها لكنها مع الوقت واجهت تحديات داخلية وغزوات خارجية مهدت الطريق لسقوط آخر الفراعنة وتحول مصر إلى ولاية تحت سيطرة قوى أجنبية ، دخلت مصر تحت حكم الإغريق والفرس ثم أصبحت تحت سيطرة الهكسوس ثم البطالمة الذين حاولوا الدمج بين ثقافتهم والثقافة المصرية ولكن رغم ذلك ظل الشعب يشعر بالغربة عن حكامه ثم جاء الرومان وحولوا مصر إلى مجرد سلة قمح لإمبراطوريتهم فكانت مواردها تُستنزف لخدمة روما بينما الشعب يعاني من الاستغلال والاضطهاد وبالرغم من ذلك لم تفقد مصر هويتها الثقافية وظلت تحافظ على حضارتها وتقاليدها حتى جاء الفتح الإسلامي ليغيّر المشهد تمامًا حيث دخل العرب بقيادة عمرو بن العاص وأسسوا نظامًا جديدًا يقوم على الدين كعنصر موحد وأصبحت مصر مركزًا للحضارة الإسلامية وبرزت كقوة ثقافية وتجارية وعسكرية لها دور كبير في حماية العالم الإسلامي من التهديدات الخارجية ، وفي عصور الأيوبيين والمماليك وصلت مصر إلى ذروة مجدها العسكري حيث استطاعت التصدي للحملات الصليبية وهزيمة المغول في عين جالوت مما جعلها درع الإسلام الحصين ولكن كما هي طبيعة التاريخ لم تدم هذه السيطرة المحلية طويلًا ومع دخول العثمانيين تحولت مصر إلى ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية ورغم أن العثمانيين حاولوا الحفاظ على استقرار البلاد إلا أن السياسة المركزية أضعفت البنية التحتية والاقتصادية ما جعل مصر تعاني من التبعية حتى جاء محمد علي الذي يمكن اعتباره المؤسس الحقيقي لمصر الحديثة استطاع هذا القائد العبقري أن يعيد بناء مصر اقتصاديًا وعسكريًا ويضعها على خريطة القوى الإقليمية والعالمية ، ومع ذلك ظل المصريون يتطلعون إلى التحرر الكامل من أي سيطرة خارجية فجاءت ثورة 1952 بقيادة جمال عبد الناصر لتسقط الملكية وتنهي الحكم الأجنبي وتؤسس جمهورية لأول مرة منذ آلاف السنين وفي هذا العهد بدأت مصر تستعيد كرامتها الوطنية وقوتها الإقليمية فتم تأميم قناة السويس وبناء السد العالي كرمز للاستقلال الوطني والتحرر الاقتصادي ورغم كل الإنجازات واجهت مصر تحديات كبيرة سواء من الاحتلال الثلاثي أو النكسة ومع ذلك لم يستسلم الشعب المصري وواصل كفاحه ليعيد بناء بلده من جديد ، وفي العصر الحديث لم تتوقف التحديات على المستوى الداخلي أو الإقليمي بل واجهت مصر مؤامرات تستهدف كيانها من كل جانب بداية من الجماعات الإرهابية التي ظهرت في الداخل مدعومة من قوى خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى إلى التحديات الإقليمية التي تحيط بمصر من كل جهة فهناك أزمة سد النهضة التي تهدد شريان الحياة المتمثل في مياه النيل وهو التحدي الأكبر الذي يضع مصر في مواجهة مباشرة مع إثيوبيا وهناك ليبيا التي أصبحت مرتعًا للمليشيات المسلحة والمخططات الخارجية التي تسعى إلى تحويلها إلى قاعدة للإضرار بأمن مصر القومي وهناك اليمن حيث الحوثيون المدعومون من قوى إقليمية يعملون على تهديد الملاحة في البحر الأحمر إضافة إلى السودان الذي يعاني من اضطرابات سياسية وأمنية تؤثر بشكل مباشر على حدودنا الجنوبية ، كل هذه التحديات لم تكن مصادفة بل هي جزء من مؤامرة كبرى تهدف إلى إعادة مصر إلى دوامة الفوضى وضرب استقرارها الذي يمثل العمود الفقري لاستقرار المنطقة بأكملها ولكن مصر التي استطاعت القضاء على الإرهاب واستعادة أمنها واستقرارها لن تسمح لهذه المخططات أن تمر بفضل وعي شعبها وقوة مؤسساتها الوطنية وقيادتها الحكيمة التي تدرك حجم المخاطر وتعمل على مواجهتها بكل قوة وحزم ، مصر اليوم بقيادة وطنية صادقة يقف خلفها شعب واعٍ يدرك قيمة هذا الوطن ودوره المحوري في العالم هي مصر التي لم تحكم يومًا في عصور الاحتلال بحاكم مصري أصبحت الآن بيد أبنائها وستظل قوية مهما اشتدت عليها التحديات لأنها تحمل في داخلها إرثًا حضاريًا وروحًا وطنية قادرة على الصمود والتحدي وستظل مصر قلب العالم وصانعة التاريخ بشعبها العظيم وإرادتها التي لا تعرف الانكسار .
مصر قلب العالم وصانعة التاريخ