معاهدة الولد بالسقي والرعاية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من حفظه سترا، أحمده سبحانه وتعالي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة عذرا ونذرا، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، أخلد الله لهم ذكرا وأعظم لهم أجرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد قيل أنه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه عليه، فقال الولد يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال بلى، قال فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلّمه الكتاب أي “القرآن ” قال الولد يا أمير المؤمنين.
إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك، أما أمي فإنها زنجيّة كانت لمجوس، وقد سمّاني جُعلا أي ” خنفساء ” ولم يعلّمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر رضي الله عنه إلى الرجل وقال له جئت إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك، فإن تربية الأبناء تبدأ باختيار الأم الصالحة والاسم الحسن ثم المداراة والتوجيه برفق، والموعظة الحسنة المستقاة من كتاب الله وسنه رسوله، وتلك هي منطلقات الحياة الفاضلة والخلق النبيل لرجال الغد، وبناة المستقبل ورحم الله ولدا أعان ولده على برّه، وإن من الحقوق للأبناء علي الوالدين هو غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد، وهذا هو أوجب شيء على الوالدين أن يحرصوا كل الحرص، على هذا الأمر، وأن يعاهدوه بالسقي والرعاية.
كأن يعلم الوالد أولاده منذ الصغر أن ينطقوا بالشهادتين، وأن يستظهروها، وينمي في قلوبهم محبة الله عز وجل وأن ما بنا من نعمة فمنه وحده، ويعلمهم أيضا أن الله في السماء، وأنه سميع بصير، ليس كمثله شيء، إلى غير ذلك من أمور العقيدة، وهكذا يوجههم إذا كبروا إلى قراءة كتب العقيدة المناسبة لهم، وكذلك تعليمهم الفرائض والمحافظة عليها، حيث أن من اكد الحقوق والواجبات أن نعلمهم الفرائض وأن نربيهم على طاعة الله تعالى، وهل هناك أهدف اسمى من انجاب الأبناء إلا ذلك الهدف؟ وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه” وزاد حميد فقال.
فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار ونذهب بهم إلى المسجد ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار أخرجاه، وكذلك أيضا من الحقوق هو تعليمهم الأمور المستحسنة، وتدريبهم عليها كتشميت العاطس وكتمان التثاؤب والأكل باليمين، وآداب قضاء الحاجة، وآداب السلام ورده، وآداب الرد على الهاتف، واستقبال الضيوف، والتكلم بالعربية وغير ذلك، فإذا تدرب الولد على هذه الآداب والأخلاق، والأمور المستحسنة منذ الصغر، ألفها وأصبحت سجية له فما دام أنه في الصبا فإنه يقبل التعليم والتوجيه، ويشب على ما عود عليه كما قيل وينشأ ناشئ الفتيان منا، على ما كان عوده أبوه، وكما قيل إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب.