منازل الشهداء عند ربهم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الشهيد الذي غادر هذه الدنيا ليس بميت يُحسب في عداد الأموات، بل هو حي يعيش حياة برزخية يعلمها الله تعالى، وإن الغبار الذي يصيب المجاهد في سبيل الله فيتسلل إلى جوفه يكون مانعا من دخان جهنم التي وقودها الناس والحجارة، فقد أخرج الإمام النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوفِ عبدٍ أبدا ” وإن منازل الشهداء عند الله عز وجل لا يبلغها أى مخلوق، وقد ذكر الله أجر الشهداء في القرآن فقال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون”
وإن الشهداء عندما صعدت أرواحهم إلى السماء ورأوا ما كانوا يوعدون فرحوا بعطاء الله تعالى، ولكنهم حزنوا على أهلهم وإخوانهم الذين يحزنون عليهم فى الدنيا، فسألوا الله تعالى أن يطمئن أهلهم عنهم، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات ليواسى أهلهم، فقد رأى الشهيد من الأجر العظيم ما لم يره غيره وما لم يتوقعه هو نفسه، فمنها أنه حى عند ربه، ومنها أنه مع الأنبياء والصديقين في منزلة رفيعة عند الله تعالى، ومنها أنه لا يشعر بألم ولا عذاب عند موته، ومنها أنه لا يعذب في قبره ولا يوم القيامة، ومنها أن منزلته في الفردوس الأعلى، ومنها غير ذلك مما استأثر الله تعالى به في علم الغيب، ولعل مفهوم الشهادة لا يقتصر على قتلى الحروب ضد أعداء الديانة، بل هم فروع وصنوف.
وأعلاها منزلة هو الذى قد بذل دمه ونفسه في سبيل الله، ولذلك ينبغي لنا أن نعلم أن أحكام الشهيد تختلف باختلاف صورة استشهاده، وأنه ليس الشهيد في الإسلام نوعا واحدا، بل للشهداء أنواع في الشريعة الإسلامية، وإن أنواع الشهداء في الإسلام كما قررها الفقهاء ثلاثة أنواع، فمنهم شهيد الدنيا والآخرة، ويعني الذى يعرف أنه شهيد في الدنيا والآخرة، وهو أعلى مراتب الشهادة، وهو الذي قد خرج صادقا لقتال الكفار وقتل فى ذلك القتال، وأما الصنف الثانى فهو شهيد الدنيا، وهو الذى قد خرج للقتال رياء، فهذا لا يعلم سريرته إلا الله تعالى، فمن الممكن أن يعتقد الناس أنه شهيد، ولكنه في الحقيقة ليس شهيدا عند الله تعالى، والصنف الثالث هو شهيد الآخرة، وهذا الصنف يعامل في الدنيا على أنه ميت كسائر الأموات.
ولكنه عند الله تعالى في الشهداء، فمن هؤلاء الصنف الذي يموت غرقا، والذى يموت بداء في بطنه، والذي يموت بالطاعون، والذى يموت في الغربة، والذى يموت وهو يطلب العلم، وكذلك منهم المرأة التي تموت في طلقها، والذى يموت مظلوما كالذى يدافع عن ماله أو عرضه أو أهله أو نحو ذلك، فمن كرم الله تعالى على عباده أنه لم يجعل نيل رتبة الشهادة في الموت في قتال الذين كفروا، وإنما جعل كثيرا من الميتات شهادة، فما أكثر المغتربين في زمان الحروب، فإذا ثبتوا على دينهم هناك وماتوا فهم شهداء بإذن الله، وأولئك الذين تخطفهم الوباء ما أكثرهم، فليهنؤوا بالشهادة وليهنؤوا قبل ذلك برب كريم سبحانه وتعالي.
منازل الشهداء عند ربهم