
مناورة “نسر الحضارة”.. تعاون استراتيجي بين الصين ومصر في سماء الشراكة
كتب : محمد صبَّاح

في مشهد يعكس عمق العلاقات التاريخية والتحولات الاستراتيجية بين القاهرة وبكين، انطلقت مؤخرًا فعاليات المناورة العسكرية المشتركة “نسر الحضارة”، بين القوات المسلحة المصرية ونظيرتها الصينية، في واحدة من أكبر التمارين العسكرية التي جمعت الجانبين على أرض مصرية.
تجسيد عملي للتقارب الصيني–المصري
تحمل المناورة، التي أُطلق عليها اسم “نسر الحضارة”، رمزية مزدوجة؛ إذ تمزج بين النسر، كرمز للقوة في الثقافة المصرية، والحضارة التي تمثل التاريخ العريق لكل من مصر والصين. ويُعد هذا التمرين سابقة في سجل التعاون العسكري بين البلدين، حيث يشكل أول تدريب مشترك يجمع القوات الخاصة من الجانبين في إطار ميداني وتكتيكي معقّد، بما يعكس مستوى الثقة المتبادلة والاستعداد لتطوير القدرات الدفاعية المشتركة.

وتشمل المناورة تدريبات على مكافحة الإرهاب، وتحرير الرهائن، واقتحام أوكار مسلحة في بيئات متنوعة، مع التركيز على تبادل الخبرات في القتال غير النظامي، وتكتيكات القوات الخاصة في المناطق الصحراوية والحضرية، وهو ما يعكس تغيرًا في فلسفة التدريب العسكري التي لم تعد تقتصر على المناورات التقليدية، بل تمتد إلى مجابهة التحديات غير التقليدية.
رسائل سياسية وعسكرية تتجاوز حدود الميدان
يحمل توقيت المناورة دلالات سياسية قوية، حيث تأتي في ظل عالم يشهد تحولات متسارعة في توازنات القوى، وتصاعد الأزمات الإقليمية والدولية. ويُنظر إلى “نسر الحضارة” بوصفها رسالة مزدوجة: من جهة، تأكيد مصر على تنويع شركائها الاستراتيجيين، ومن جهة أخرى، رغبة الصين في تعزيز حضورها في الشرق الأوسط عبر بوابة القاهرة، لما تمثّله مصر من ثقل إقليمي واستقرار استراتيجي.
المناورة أيضًا تعكس أبعادًا اقتصادية ضمنية، إذ ترتبط بالمسار الأوسع لمبادرة “الحزام والطريق”، التي تعد مصر أحد مفاتيحها الحيوية. فالوجود الصيني في موانئ مثل العين السخنة، واستثمارات الصين في مشروعات البنية التحتية، تُعزز من أهمية هذا التعاون العسكري كمكمّل للمنظومة الاقتصادية والسياسية بين البلدين.

إشادة رسمية واستعدادات على أعلى مستوى
أشاد مسؤولو الدفاع من كلا البلدين بالمستوى العالي من الاحترافية الذي ظهر خلال مراحل الإعداد والتنفيذ، وأكدا أن المناورة ليست فقط تدريبًا عسكريًا، بل منصة لتعزيز الثقة والتفاهم المتبادل، بما يفتح الباب أمام مزيد من التعاون في مجالات التصنيع الحربي، وتبادل التكنولوجيا الدفاعية، وربما تدريبات بحرية وجوية مستقبلية.
ومن اللافت أن المناورة شهدت استخدام معدات عسكرية من إنتاج مشترك، إلى جانب استعراض قدرات الجنود في العمل ضمن فرق هجينة متعددة الجنسية، وهو ما يُعد من أبرز التحديات التدريبية في العمليات العسكرية الحديثة.

تطلعات نحو شراكة استراتيجية شاملة
“نسر الحضارة” ليست سوى محطة أولى في مسار طويل من التعاون المصري الصيني في المجال العسكري، وهي تعبّر عن رؤية جديدة في العلاقات الدولية، حيث لم تعد ترتكز فقط على الاقتصاد والتجارة، بل بات الأمن والدفاع جزءًا لا يتجزأ من معادلة الشراكات الفاعلة.
ويرى مراقبون أن هذا النوع من المناورات قد يتحوّل إلى تقليد دوري، وربما يشمل في المستقبل أطرافًا أخرى حليفة لكلا البلدين، بما يعزز الاستقرار الإقليمي، ويرسّخ حضور الصين في المعادلة الأمنية للمنطقة، بالشراكة مع دولة عربية كبرى مثل مصر.
ختامًا، فإن “نسر الحضارة” لا تمثّل فقط مناورة عسكرية، بل تعبيرًا رمزيًا عن لقاء حضارتين، وتجسيدًا عمليًا لتقاطع المصالح والرؤى بين الشرقين، بما يبشّر بمستقبل من التعاون العميق في زمن التحولات الكبرى
