منة العبد تكتب عن عدم الأخلاق ليس مجرد انحراف سلوك، بل انحراف ضمير.
الموافق / الخميس 11/12/2025
حين يتزيّن اللا أخلاقيون بعباءة الفضيلة
لم تعد الأزمة اليوم في غياب الأخلاق وحدها، بل في أولئك الذين يرفعون راية الفضيلة وهم أكثر من يطعنونها. نرى أشخاصًا يعتلون منابر النُّصح والإرشاد، يتحدثون عن الشرف والنبل والاحترام، بينما سلوكهم لا يحمل إلا قبحًا مُغلّفًا بكلمات جميلة. هي المفارقة التي أصبحت واقعًا مريرًا: أكثر الناس حديثًا عن الأخلاق هم أقلّهم التزامًا بها.
اللّا أخلاقي لا يعترف بذنبه، بل يبرّره. يجيد الهجوم على غيره، ويُتقن صناعة الأعذار لنفسه. يرتدي قناع الوقار حتى يبدو أمام الناس ملاكًا، بينما حقيقتُه ليست سوى ضعفٍ وشرّ ورغبة في السيطرة. يعيش على الإساءة في الخفاء، وعلى الوعظ في العلن. يحاسب الناس على أخطائهم بالنظريات، ويمارس أخطاءه بنفس خفية لا ترتجف.
عدم الأخلاق ليس مجرد انحراف سلوك، بل انحراف ضمير. هو أن يفقد الإنسان إحساسه بحدود الحق، فلا يعرف للعيب معنى إلا إذا كان يراه في غيره. هو أن يطالب الجميع بالصدق وهو أوّل الكاذبين، وأن يرفع صوته بالمبادئ وهو أوّل من يدوس عليها.
والأسوأ من ذلك أنّ اللّا أخلاقي لا يؤذيك فقط بفعلٍ قبيح، بل بمحاولة إقناعك أنه الأفضل، وأنك أنت المخطئ. يجيد لعبة التلاعب، يُظهر نفسه ضحية، ويُجمّل سلوكه القبيح بحجة الظروف أو النوايا أو “الناس هي اللي بتجبرنا”. بينما الحقيقة أنه يهرب من مواجهة نفسه، لأنه يخشى رؤية هشاشته وضعفه في المرآة.
الأخلاق ليست خطابًا، ولا منشورًا، ولا موقفًا نلتقطه أمام الناس. الأخلاق تُقاس حين لا يرانا أحد، وتظهر في الأفعال قبل الكلمات. من يتحدث عن الأخلاق كثيرًا هو غالبًا أبعد الناس عنها، لأن الإنسان الحقيقي لا يحتاج أن يثبت فضيلته بكلام… يكفي أنه يعيشها.

ويقولون مالا يفعلون

وفي النهاية، يظل الفرق واضحًا:
الشريف لا يحتاج أن يصرخ ليُثبت شرفه، أما الخالي من الأخلاق فلا يملك غير الصوت العالي ليخفي فراغه.

