من أخلاقيات الجهاد في الإسلام
كتب: حسين صلاح
تعتصر قلوبنا ألما لدك الصهاينة لبيوت المستضعفين في قطاع غزة، والعمل بسياسة العقاب الجماعي، وقتل الأطفال والنساء، ومنع ضروريات الحياة من طعام وشراب وغيرها، وذلك ليس بغريب عليهم، فقد أحطنا بجبنهم خبرا في عدة حروب سابقة، فهذا هو عدونا، وتلك هى صفاته!! لا يقاتل ببسالة الشجعان ، بل كما قال تعالى (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (التوبة-10)
أما الإسلام فهو دين الرحمة، فالجهاد فيه لابد أن يكون “في سبيل الله”، وليس في سبيل الله ظلم ولا بغي، ومن ثم وضع الإسلام للجندي المسلم عدة مبادئ إنسانية يلتزم بها حتى تحت قعقعة السيوف، دليل ذلك ما خرَّجه أبو داود في سننه، عن رباح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة، فرأى الناسَ مُجْتَمعينَ على شيءٍ، فبعث رجلاً فقال له: «انظر، علامَ اجتمع هؤلاء؟» ، فجاء فقال: امرأةٌ قتيل، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل!» ، قال: وعلى المقدمة: خالد بن الوليد، فبعثَ رجلاً فقال: «قُلْ لخالد: لا تَقتُلنَّ امرأةً ولا عسيفاً» . والعَسيفُ: الأجير.
واعلم أن النكاية في العدو، والنيل منهم على ثلاثة أقسام؛ منها جائزٌ باتفاق، ومنها محظور باتفاق، ومنها مختلفٌ فيه.
فأما الجائز باتفاق فقتل مُقَاتَلَتِهِم في الزحف، وسَلْبُ أموالهم، ووطء بلادهم، وسَبْيُ أبنائهم وذراريهم، والأسر، ولا خلاف فيه بين الفقهاء.
وأما المحظور باتفاق : فقتلُ النساء والصبيان، حيث لا يضطرُّ إلى ذلك، إمَّا في البيات أو المدافعة حال القتال، والدليل على هذا: قوله -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] ، وهؤلاء ليسوا ممن يقاتل، فوجب الكفُّ عنهم. وقد خرَّج البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد والسير (باب قتل النساء في الحرب) عن ابن عمر قال: وُجِدت امرأةٌ مقتولة في بعض مغازي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فنهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن قتل النِّساء والصبيان. ولا خلاف -أيضاً- فيه بين الفقهاء.
وأما المختلف فيه فمسائل؛ منها: قتلُ الرهبان والعُسَفاء ونحوهم، ممن ليسوا بصدد القتال، ومنها: قتل المرأة والصبي إذا قاتلا، ومنها: رمي الحصون بالمجانيق والنار وفيهم النِّساءُ والصبيانُ وأسرى المسلمين، ومنها: القتل بغير السلاح، كالتحريق بالنار وشَبهه من ضروب القتل المعذّبة، ومنها: تحريقُ الديار وتخريبها، وتحريق الزرع والأشجار وقطعها، وقتلُ البهائم والحيوان. والفتوى فيه تختلف باختلاف حال كل حرب.
وذهب مالك في «المدونة» إلى أنه لا يُقْتَلُ الهَرِمُ، ولا الأعمى، ولا المعتوه، ولا المُقعد، واستدلَّ المالكية على عدم قتل الشيوخ ولا أهل الصوامع؛ بقوله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تقتلوا شيخاً فانياً» ، وقوله: «لا تقتلوا أهل الصوامع» . وقال الأوزاعي: لا يقتل الزراع، ولا الراهب، ولا الشيخ الكبير، ولا المجنون.
وأخرج مالك في الموطأ: “أن أبا بكر بعث جيوشًا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان يزيد أمير ربع من تلك الأرباع فقال: إني موصيك بعشر خِلال، لا تقتل امرأة ولا صبيًا ولا كبيرًا هرمًا ولا تقطعنَّ شجراً مثمراً، ولا تخربنَّ عامراً، ولا تعقرنَّ شاة ولا بعيراً إلا لمأكلة، ولا تحرقنَّ نخلاً، ولا تُفَرِّقَنَّه، ولا تَغْلُل، ولا تَجْبُن».
هذا هو ديننا أيها السادة (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف-40). دينٌ يعطي القدوة والمثل ويعلى مبادئ الإنسانية والشرف حتى حين لقاء العدو (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً (الأنعام-161)، ويستحيل أن ينهزم جند يتمسكون بهذا الصراط المستقيم، وذلك الدين القيم (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ (الصافات-173).
وعلى الله قصد السبيل
الأستاذ الدكتور – عبد العظيم أحمد عبد العظيم
أستاذ جغرافية الأديان- قسم الجغرافيا كلية الآداب – جامعة دمنهور- مصر