من إشارة مرور إلى محكمة القيم: رسائل واقعة “المنوفية والبلوجر”
✍️ بقلم: محمود سعيد برغش
خلاف مروري عادي في أحد شوارع 6 أكتوبر، كان يمكن أن ينتهي في لحظته، لكن كلمة مهينة فجّرت الموقف: “إنت فلاح من المنوفية”. لم تتوقف عند حدود الإهانة الفردية، بل تحولت إلى صفعة على وجه مجتمع بأكمله، قبل أن يتطور الأمر إلى اعتداء لفظي وجسدي.
المقطع الذي صوّره البلوجر أدهم سنجر لم يكن تسجيلًا عابرًا، بل فتح جرحًا قديمًا اسمه “التمييز الطبقي”، حيث يُستخدم الانتماء الريفي كأداة للتحقير، بينما الحقيقة أن الفلاح هو من يزرع الأرض ويؤمّن القوت ويشكّل العمود الفقري للأمة.
وزارة الداخلية تحركت بسرعة، فأعلنت ضبط المتهم، وتحررت بلاغات متبادلة بين الطرفين بقسم شرطة الشيخ زايد، فيما تولّت النيابة العامة التحقيق. وبذلك تحولت الواقعة من مشادة عابرة إلى قضية رأي عام تتعلق بالكرامة الإنسانية.
قال تعالى:
﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء:30]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ [الحجرات:11]
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات:13]
وقال النبي ﷺ: “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم” (رواه مسلم).
وقال ﷺ: “لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى”.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”.
والإمام الشافعي: “الناس سواء، كأسنان المشط”.
أما الإمام مالك فقال: “من شتم مسلمًا فقد فسق، ومن شتمه بالكفر فقد كفر”.
⚖️ القانون المصري:
المادة 302: القذف هو إسناد واقعة لو صحت لأوجبت عقاب من أُسندت إليه أو أوجبت احتقاره.
المادة 306: السبّ يُعاقب عليه بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وغرامة من 2000 إلى 10,000 جنيه.
المادة 308: تشدد العقوبة إذا ارتبط السبّ بالأصل أو الجنس أو اللون أو النسب.
وعليه، فإن الإهانة الموجهة لأهل المنوفية تدخل تحت دائرة السبّ المقترن بالتمييز الطبقي، وهي جريمة يعاقب عليها القانون.
لقد بيّنت هذه الحادثة أن الكلمة قد تكون أداة إصلاح أو معول هدم، وأن الكرامة الإنسانية لا تُمسّ، فهي مصونة بالشرع والقانون والأخلاق.
قال الحسن البصري: “اللسان أمير الجوارح، فإذا استقام استقامت، وإذا فسد فسدت”.
من إشارة مرور إلى محكمة القيم: رسائل واقعة “المنوفية والبلوجر”
✍️ بقلم: محمود سعيد برغش