الرئيسيةأخبار العالممن فزّاعة الشرق الأوسط إلى قوس التوتر الأوراسي… كيف اكتملت مهمة إسرائيل وانتقلت لعبة المصالح إلى حدود روسيا والصين
أخبار العالم

من فزّاعة الشرق الأوسط إلى قوس التوتر الأوراسي… كيف اكتملت مهمة إسرائيل وانتقلت لعبة المصالح إلى حدود روسيا والصين

من فزّاعة الشرق الأوسط إلى قوس التوتر الأوراسي… كيف اكتملت مهمة إسرائيل وانتقلت لعبة المصالح إلى حدود روسيا والصين

بقلم:الجيوفيزيقي محمد عربي نصار 

مقدمة

بعد أكثر من سبعة عقود من تأسيسها، تبدو إسرائيل وقد أدّت وظيفتها التاريخية التي صُمّمت من أجلها في حسابات القوى الكبرى. فقد كانت “الفزّاعة” التي ضمنت للغرب – أميركياً وأوروبياً – تدفق الفوائض النفطية العربية إلى خزائنه عبر سباق تسلّح لا ينتهي، واستثمار دائم في الخوف من العدو القائم في قلب الشرق الأوسط. اليوم، ومع تحوّل بوصلة الاهتمام العالمي نحو آسيا الوسطى وأفغانستان ومحيط روسيا والصين والهند وباكستان، تتبدّل الأدوار، وتنتقل لعبة استنزاف الثروات وصناعة التوترات إلى ساحة جديدة أكثر خطورة وإثارة.

إسرائيل: من أداة استراتيجية إلى عبء فائض

عندما أُنشئت إسرائيل في أواسط القرن الماضي، تحوّلت فوراً إلى أداة استراتيجية مزدوجة للغرب:

حاجز أمني يكبح طموح أي قوة عربية إقليمية قد تهدد النفوذ الغربي.

ذريعة اقتصادية لتسويق سباق تسلّح عربي مكلف، يُحوّل الفوائض النقدية الناتجة عن الطفرات النفطية إلى عقود سلاح غربية بمليارات الدولارات.

خلال السبعينيات والثمانينيات، كان الخطر الإسرائيلي هو الوقود المثالي لإقناع دول الخليج بصفقات تسلّح ضخمة، مما أغلق دورة أموال النفط في دائرة اقتصادات أميركا وأوروبا. لكن مع مرور الوقت، انحسر وهج هذه الذريعة: لم تعد إسرائيل بالنسبة للعرب الخطر الوجودي الأول، ولم تعد السياسات الأميركية والأوروبية ترى في الشرق الأوسط مركز الاهتمام الأوحد.

تراجع مركزية الشرق الأوسط في حسابات واشنطن

التغيرات الكبرى في ميزان القوى العالمي فرضت على الولايات المتحدة وأوروبا إعادة ترتيب الأولويات. فلم تعد المعركة الرئيسية في دعم إسرائيل أو حتى في احتواء إيران، بل في مواجهة صعود قوى أوراسية كبرى:

روسيا التي أعادت عبر الحرب الأوكرانية رسم خطوط مواجهة مفتوحة مع الغرب.

الصين التي تمد نفوذها الاقتصادي عبر “الحزام والطريق” وتهدد الهيمنة الاقتصادية الغربية.

الهند وباكستان بقدراتهما النووية وموقعهما الحساس على تقاطع المصالح الروسية والصينية.

في هذا السياق، بات الشرق الأوسط ملفاً “يُدار” أكثر مما يُستثمر فيه استراتيجياً. لم تعد إسرائيل ذريعة كافية لتبرير صفقات تسلّح هائلة، وأصبحت أوراسيا الساحة الجديدة لتبرير سباق التوازنات العسكرية.

من “فزّاعة إسرائيل” إلى “قوس التوتر الأوراسي”

توجّهت الأنظار الغربية إلى ما يمكن تسميته “قوس التوتر الأوراسي” الذي يمتد من أفغانستان إلى تخوم روسيا والصين والهند وباكستان. هذه الرقعة الجيوسياسية توفر للغرب المبرر المثالي لاستحضار لعبة “صناعة الفزّاعة” من جديد:

وجود قوى نووية متنافسة.

صراع نفوذ بين موسكو وبكين وواشنطن.

مخاطر الإرهاب وعدم الاستقرار في أفغانستان وآسيا الوسطى.

ولإدامة هذا القوس المتوتر، يُعاد توجيه الفوائض المالية التي كانت تتدفق نحو أسواق السلاح في مواجهة إسرائيل، لتُستثمر الآن في تحالفات ومشاريع تسليح جديدة في قلب أوراسيا.

تحالفات نفطية جديدة نحو الشرق

الفوائض النفطية الخليجية التي كانت تُستغل في سباق تسلّح عربي – إسرائيلي تُوجَّه اليوم نحو مسارح الصراع الأوراسي في صورة تحالفات استراتيجية:

السعودية مع باكستان: تعاون عسكري واستثماري متزايد يمنح باكستان عمقاً مالياً ويعزز مكانتها كلاعب مهم في معادلة التوازن مع الهند والصين.

الإمارات مع الهند: شراكات دفاعية واقتصادية واسعة، من صفقات تسلّح إلى مشاريع لوجستية وموانئ، تؤكد نقل مركز الاستثمار العسكري إلى جنوب آسيا.

بهذه الخطوة، أصبحت فوائض النفط العربي رافعة لتحالفات تمتد من كراتشي إلى نيودلهي، بدلاً من أن تكون خزّاناً دائماً لصفقات السلاح الموجهة إلى مواجهة إسرائيل.

الخليج يعيد رسم خريطته

في الوقت نفسه، تمارس دول الخليج تنويعاً غير مسبوق في تحالفاتها. فالاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية عام 2023 شكّل علامة فارقة في الانتقال من صراع عربي – إيراني إلى تفاهمات إقليمية أكثر اتزاناً. هذا المسار يقلّل من جدوى الاستثمار في “الخطر الإسرائيلي” كحافز للتسلّح، ويفتح الباب أمام سياسات أكثر استقلالية عن المظلّة الأميركية التقليدية.

ارتباك في الداخل الإسرائيلي

إسرائيل، التي اعتادت دور “الحليف الذي لا غنى عنه”، تواجه اليوم مؤشرات مقلقة:

ضغوط أميركية وأوروبية متزايدة لتسوية الصراع مع الفلسطينيين أو لتقييد العمليات العسكرية.

براغماتية غربية جديدة تجعل الدعم لإسرائيل مشروطاً بحسابات المنافسة مع موسكو وبكين.

تراجع قدرتها على لعب ورقة “الخطر الوجودي” في سياسات النفط والسلاح.

تدرك النخبة الإسرائيلية أن مركزيتها في حسابات القوى الكبرى لم تعد مسلّمة، وأنها تدخل مرحلة بحث عن دور جديد وسط تحوّلات إقليمية ودولية غير مسبوقة.

ملامح مرحلة ما بعد “الفزّاعة الإسرائيلية”

ينتقل العالم إلى مرحلة جديدة تتراجع فيها أهمية الشرق الأوسط كأولوية استراتيجية مطلقة للغرب. لم تعد إسرائيل الورقة الأكثر فاعلية في استنزاف الثروات النفطية، بل باتت مجرد عنصر في مشهد إقليمي تُديره القوى الكبرى من بعيد. وفي المقابل، يبرز قوس التوتر من أفغانستان إلى باكستان والهند كالمسرح الجديد الذي يُعيد تبرير سباقات التسلّح وتحريك عجلة الصناعات العسكرية.

خاتمة

انتهى زمن “الفزّاعة الإسرائيلية” التي مكّنت الغرب لعقود من توجيه فوائض النفط العربي إلى مصانع السلاح الأميركية والأوروبية. اليوم تُنقل اللعبة نفسها إلى تخوم أوراسيا، حيث تتقاطع حدود روسيا والصين والهند وباكستان، وحيث تُبرم التحالفات الجديدة: سعودية–باكستانية، إماراتية–هندية، وغيرها من الترتيبات التي تضع الثروات النفطية في خدمة سباق توازنات عالمي أشد خطورة.

إنها لحظة تاريخية تفتح صفحة جديدة من الجغرافيا السياسية، تُطوى فيها وظيفة إسرائيل القديمة، ويُعاد فيها توزيع أوراق النفوذ الدولي نحو الشرق الأقصى لقلب العالم.

من فزّاعة الشرق الأوسط إلى قوس التوتر الأوراسي… كيف اكتملت مهمة إسرائيل وانتقلت لعبة المصالح إلى حدود روسيا والصين

بقلم:الجيوفيزيقي محمد عربي نصار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *