الرئيسيةمقالاتمن يضمن مصلحة الأطفال؟ الإطار القانوني الجديد، وتحديات التنفيذ
مقالات

من يضمن مصلحة الأطفال؟ الإطار القانوني الجديد، وتحديات التنفيذ

من يضمن مصلحة الأطفال؟ الإطار القانوني الجديد، وتحديات التنفيذ،
بقلم: رضوان شبيب
محرر صحفي

في الجزء الأول من هذه السلسلة، استعرضنا التحديات القانونية والاجتماعية الناتجة عن إعاقة حقوق الأب في رؤية أولاده من قبل الأم الناشز أو المطلقة أو تاركة منزل الزوجية، مع التركيز على ظاهرة “الاغتراب الأبوي” التي تُحرم الطفل من توازن عاطفي وتربوي أساسي. اليوم، نستكمل النقاش بتسليط الضوء على الإطار التشريعي المصري، خاصة بعد تعديلات قانون الأحوال الشخصية لعام 2025، التي تهدف إلى تعزيز حقوق الأب مع الحفاظ على مصلحة الطفل كأولوية قصوى. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في التنفيذ الفعال، حيث تُكشف الواقع حالات عن عدم كفاية الآليات الحالية لضمان العدالة.

من الناحية القانونية، يُعد قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000، مع تعديلاته الأخيرة في 2025، خطوة متقدمة نحو التوازن الأسري. فالمادة 20 من القانون الجديد، كما أوضحتها تقارير اللجنة التشريعية بمجلس النواب، تُعزز حق الرؤية والاستضافة للأب، حيث يُمنح الآن المرتبة الثانية في الحضانة بعد الأم، مقارنة بالمرتبة السادسة عشرة سابقًا. هذا التغيير يعكس إدراكًا لدور الأب الحيوي في تنشئة الأطفال، ويحدد مدة الرؤية بـ10 ساعات شهريًا، مع إمكانية الاستضافة لـ15 يومًا سنويًا، بما في ذلك اقتسام الإجازات الرسمية. كما يُلزم القانون الطرف الممنع (مثل الأم) بعقوبات تصل إلى الغرامة أو الحبس في حال الإعاقة التعسفية، ويُسمح للقاضي بسلطات واسعة لنقل الحضانة إذا ثبت إهمال أو تضييق، مع التركيز على سن 15 عامًا كحد أقصى للحضانة قبل خيار الطفل نفسه (حسب تصريحات النائبة أميرة أبو شقة في برنامج “الحكاية”، 2025).

هذه التعديلات تتوافق مع مبادئ اتفاقية حقوق الطفل (1989)، التي صدّقت عليها مصر، وتُؤكد أن مصلحة الطفل تتجاوز الصراعات الوالدية. ومع ذلك، يواجه القانون تحديات في التنفيذ؛ فوفقًا لتقرير المجلس القومي للطفولة والأمومة (2024)، يُسجل أكثر من 70% من قضايا الرؤية تأخيرًا في المحاكم بسبب نقص الخبراء النفسيين والاجتماعيين، مما يُطيل أمد الاغتراب الأبوي ويُسبب اضطرابات نفسية للأطفال تصل إلى 40% من الحالات (دراسة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، 2025). في الواقع، غالبًا ما تُستخدم الإجراءات القضائية كأداة للانتقام، حيث ترفض الأم الرؤية مدعية “مصلحة الطفل” دون دليل، مما يُحرم الأب من دوره ويُعزل الأولاد عن أهل الأب، مخالفًا المادة 18 من القانون التي تُلزم بالحوار الأسري.

اجتماعيًا، يتفاقم الوضع بسبب الثقافة الشائعة التي تُقلل من دور الأب بعد الطلاق، رغم أن دراسات منظمة الصحة العالمية (2024) تُثبت أن مشاركة الأب تقلل من معدلات الاكتئاب لدى الأطفال بنسبة 25%. هنا يبرز دور المؤسسات في سد الفجوة؛ فإنشاء مراكز الوساطة الأسرية، كما اقترحنا سابقًا، أصبح ضروريًا لتحويل النزاعات إلى حلول تفاضلية، مع برامج توعية مجتمعية عبر المدارس والمساجد لتأكيد أهمية الوالدين المشتركين. كذلك، يجب تطوير برامج دعم نفسي مجانية للأطفال المتضررين، بالتعاون بين وزارة التضامن الاجتماعي والمجالس المحلية، لمراقبة التأثيرات السلبية وفرض رقابة على التضييق.

في الختام، بينما يُقدم قانون 2025 أدوات قانونية قوية لإعادة الحقوق، يبقى التنفيذ المفتاح لتحقيق العدالة. ندعو الجهات التشريعية إلى تعزيز الرقابة القضائية وتوسيع البرامج الاجتماعية، ليصبح الأب شريكًا حقيقيًا في مصير أولاده، وليضمن المجتمع بيئة أسرية متوازنة تحمي الأجيال القادمة. في الجزء الثالث، سنناقش تجارب ناجحة وآليات التنفيذ العملي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *