ادب وثقافة

نساء الأفاعي

جريدة موطنى

نساء الأفاعى

بقلم الأديب المصرى

د. طارق رضوان جمعة

” لندع كاليجولا يسير بنفسه على هواه بل ينبغي أكثر، علينا أن ندفعه إلى المزيد دفعاً؛ لنصفق لجنونه هذا وسوف يصل اليوم الذي يصبح فيه وحيداً أمام البلاد المسكونة بالموتى وأقرباء الموتى”!( شيريا النبيل فى مسرحية كاليجولا)

وردت كلمة (طغى) ومشتقاتها في تسعة وثلاثين موضعاً من القرآن الكريم، وبصيغ وتصريفات مختلفة.

فيا له من مأزق كبير حين لا تجد حاشية الطاغية حل لمشاكله سوى توربطه بطغيان أكثر! اى حفلة هزلية تلك التى تتلذذ بها شعوب مستعبدة! فهل الشعب هو من يصنع الطاغية ام أن الطاغية هو من يستعبد الر قاب؟ وكأنها معضلة الببضة والدجاجة. فهل ولد الطاغية بهذا الجبروت؟ وإن كان الطاغية شرير وحاقد وظالم ، فماذا لدى الطواغ عبر التاريخ لبجذبوا محبة الناس لهم ؟

لا شك أن أصحاب الشخصيات القوية من الرجال والنساء لهم جاذبية وبدافع لا شعوري يمنحهم الشعب كل الحب والتقدير والاحترام والثقة. ولكن من المحزن أن. ينقلب السحر على الساحر.

وفى ” نساء الطغاة” للكاتبة الفرنسية ديان دوكريه تعرض فيهم كم هائل من رسائل الغرام التى كانت تتدفق بشكل يومي لهتلر. فتقول الكاتبة أنّ “هتلر تلقى رسائل أكثر مما تلقاه ميك جاغر وفرقة البيتلز مجتمعين”.

وعلى عكس هتلر، كان موسوليني مولعاً بحالة العشق التي تكنها النساء له، وكانت تصله من3000 إلى 4000 رسالة شهرياً. وتقبّل الدوتشي موسوليني فقط من الإيطاليات اللوم على سياساته أو تصرفاته مثلما تقبل عشقهن له فيما لم يتقبل اللوم من الرجال.

وعن مدى جاذبيته تقول دوكريه “إن البحث عن عيوب عند موسوليني يشبه البحث عن شائبات في تمثال موسى الذي نحته مايكل أنجلو. أما الغواية عند ستالين فكانت من نوع آخر حسب دوكريه.

ولا عجب أن أصبح هؤلاء مصدر غواية للبشر، ألم يكن هتلر رسّاماً ومتأنقاً قبل أن يصبح الرمز الأكبر للوحشية، وستالين كاتباً للقصائد وموسوليني مثقفاً ومتقناً لعدة لغات وبارعاً في المقالات الصحافية؟ وكأن أمر هؤلاء الطغاة أشبه بالتنويم المغناطيسى لشعوبهم.

ولكن كيف غابت تلك الملامح العالية الرهافة من شخصياتهم ليحل محلها العنف والقسوة والدموية؟

إن الجماهير وربما الظروف التاريخية هما سر تحويل الطغاة إلى رموز مقدسة على سبيل المثال، تحوُّل الامبراطور الوثني “قسطنطين” إلى قديس في الكنيسة الشرقية، الكاثوليكية والأرثوذوكسية، رغم الحروب الأهلية التي خاضها في حياته وقتل فيها العديد من أبناء الامبراطورية الرومانية .

وهنا نظرة جديدة للحروب فهى اما حفلة تكريم او محاكم تاريخية؛ ففيها قد يُنصّب طاغية ما محرِّراً، وطاغية آخر قدّيساً، وطاغية في جغرافية أبعد فاتحاً، وقد تلقِّب طاغية، في ملابسات مختلفة، بالهمجي المتوحش، وإنّ هذا الفرق في التنصيب منوط بالظروف التاريخية وبالجغرافية بقدر ما هو منوط باختلاف الشعوب التي توصّف الطاغية، فمن تنتصر الشعوب معه محررٌ وبطلٌ وقديس، ومن تُهزم معه جبانٌ وأرعن، ومن يهزمها جزّار ومتوحش ومحتل.

وبناء على هذا التقييم النسبي فمن مصلحة البعض الحفاظ على وجود حروب دائمة حتى تضمن لهم المكانة الاقتصادية والسياسية الملائمة.

في مسرحية كاليجولا لألبير كامو، يسجد الجميع للطاغية إلا سيبيون الشاعر؛ مع ذلك نجا سيبيون من انتقام كاليغولا، ربّما لأنه لعب دور الضمير الذي احتاجه كاليغولا في لاوعيه.

وفي علم نفس الأطفال معلومة طريفة تفيد بأن الطفل يحتاج إلى شخص يبين له التصرف السليم من التصرف الخاطئ، وهذا المنطق، بشكل ما، ينطبق على الكبار فبغياب المراجعة الذاتية المتمثلة بالضمير والمبادئ الشخصية، نصبح حيوانات مفترسة.

فثمة طاغية في الأب المتسلط وطاغية في الأم القاسية وأخر فى رب العمل الذي لا يرحم، وفي المتعصب لدين أو لطائفة أو لحزب أو لعرق أو لتوجه سياسي رغم ادعاء كل من سلف ذكره بأنه يحمل رسالة سامية، فكم من ظلمات تمت تحت شعار رسالة سامية!

كل الطغاة يرون فى الأدب والكلمة وسيلة مساعدة للبقاء، فالطاغية عادة مشغول بتلميع صورته، وهو يعرف أن الأدب يحمل فى داخله نوعا من الخلود، لذا نجد الكثير ممن عرفوا فى عالم السياسة بـ “تسلطهم” لهم محاولات لا بأس بها فى عالم الكتابة، منهم لينين، ماو، موسولينى، هتلر، نيرون.

يعد الإمبراطور الرومانى نيرون (37-68 م) نموذجًا أصيلًا للإمبراطور والشاعر الطاغية، فقد شارك فى مسابقات الشعر والأغانى واللعب على القيثارة، بالإضافة أيضًا إلى قيادة العربات، وفى الأولمبياد، وقع من عربتة التى يقودها 10 أحصنة، ولكنه توّج الفائز من قبل المتملقين من القضاة الذين امتلأت أرواحهم بالخوف. أصر نيرون على تدمير تماثيل الفائزين السابقين، وعاد إلى روما مع كمية هائلة من الجوائز.

وكان لنابليون نتاجات فكرية، هي: كتاب العشاء فى بوكير (Le Souper de Beaucaire)، مجلة بونابرت وفضائل الإنسان (Le Journal de Bonaparte et des hommes vertueux)، إضافةً لمذكراته التى نُشرت بعد وفاته. بالإضافة إلى رواية كليسون ويوجينى (Clisson et Eugénie).

كما كان الزعيم السوفيتى الراحل ستالين شاعراً ومغنياً. و كان من القراء الشرهين.

وكان هتلر يكسب رزقه من الرسم خلال العشرينات قبل أن يتولى السلطة ، وخلال فترة اعتقاله قام بتأليف كتابه الأشهر كفاحى.

وبنيتو موسولينى، مؤسس الحركة الفاشية فى إيطاليا، كتب رواية أدبية بعنوان “عشيقة الكاردينال”، وربما يكون استمدها من تجربة شخصية. وكان رئيساً لتحرير أكبر الصحف الاشتراكية فى إيطاليا فى ذلك الوقت وهى صحيفة “أفانتى” أى الطليعة، ثم أنشأ جريدته الخاصة بعنوان “شعب إيطاليا”.

ويقال أن الرئيس العراقى صدام حسين كتب أربع روايات هي: “زبيبة والملك” و”اخرج منها يا ملعون” و”القلعة الحصينة” و”رجال ومدينة”. وكان يكتب: ”ريع هذه الرواية للفقراء واليتامى والمساكين والمحتاجين والأعمال الخيرية”. صدام كان يكتب الشعر وبعض المقالات الصحافية بجريدة ”البعث”.

وختاما نسأل الله السلامه، حفظ الله شعوبنا وأوطاننا سالمة.

نساء الأفاعي

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار