الشعر

نشوي شطا تكتب ” الفن والثقافة ”

نشوي شطا تكتب ” الفن والثقافة ”

 

كتبت : نشوي شطا

 

لا يوجد فنّ دون ثقافة، ولا توجد ثقافة دون فنٍّ، فهما يتّحدان ببعضهما كاتحاد الأكسجين بالكربون لينتج الماء، فتتّحد الثقافة بالفنّ لينتج الإبداع..

الفن هو لغة الحوار بين عددٍ من الثقافات وأداة تطبيق لتلك الثقافات فإنّه يهدف إلى إنشاء نوع من الفضاء الحواري وخلقه وصقله وتشكيله، لخلق معانٍ جديدة ذات شكلٍ جمالي للثقافة. من هنا يتّضح بأنّ الثقافة هي عبارة عن كلّ مركّب يتضمن جميع العقائد، والمعارف، والأخلاق، والفنون..
والعادات، والقوانين، ولأنَّ الثقافة في معانيها ومركّباتها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالفنون..

هل الفن .. جزء من الثقافة؟!

الفن هو الجسر بين الروح والسماء، وهو الرسالة المرسلة لحضارات الشعوب ، وهو العلامة الثابتة والمشتركة بين كل الأمم المتعاقبة من بني البشر على مر التاريخ والعصور المختلفة. لقد تجذر الفن عبر التاريخ في وادٍ ذي ثلاث شعب، فبين المسرح والرسم الأشغال والموسيقى كان الفن يشق طريقه حاملاً المعنى والسمو والمتعة..

يقول حكيم هندي (إن عذوبة الألحان توطد آمالي بوجود أبدية جميلة) كما قال جبران خليل جبران عن الموسيقى كنوع من أنواع الفن: «الموسيقى كالمصباح، تطرد ظلمة النفس، وتنير القلب، فتظهر أعماقه والألحان..

لقد تأصل الفن في كل مظاهر الحياة، حتى أصبح من يشعر بذرة إنسانية أن يتذوق الفن في كل شيء حوله، فالطبيعة فن، وتلك الجذور الممتدة في باطن الأرض ليثبت أصلها وفرعها يثمر ثمراً جنياً فن، وتلك الشمس المنغرسة في كبد النهار لترسل خيوط الضوء التي تخترق عتمة الغرفة المعزولة بستائر مغزولة بألوان قاتمة فن، حتى ذلك الظل المتراقص خلفنا فن، ويبقى إدراك الحاسة البشرية لقيمة هذا الفن وهذه الرسالة الداعية إلى حب الحياة هو المدافع الأول عن بقاء هذا الفن من عدمه.

وأدلل على ذلك بلوحة الموناليزا التي رسمها الرسام الإيطالي الشهير ليوناردو دافينشي عام 1503 م وانتهى من رسمها عام 1510م وظلت منذ تلك الفترة وحتى هذا اليوم هي الشغل الشاغل لمختلف النقاد من مختلف دول العالم، بل وأنها أشغلتهم بما تخفيه من أسرار فنية وشخصية لا يعلمها إلا دافنشي نفسه، ولا يكاد يمر احتفال فني أو افتتاح معرض رسم في أي دولة من دول العالم دون يتم التعريج على ذكر تلك اللوحة التي تعتبر واحدة من أفضل الأعمال على مر التاريخ.

وعلى صعيد المسرح فقد قدم الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير شخصيات خالدة في التاريخ المسرحي التراجيدي، وعلى صعيد المثال هاملت، وعطيل، وماكبث، والتي اتسمت بالحبكات الفنية المعقدة في الشخصيات، حتى اشتهرت في المسرح العالمي وأصبحت مرجعاً ثقافياً لا يستهان به، وترجمت للعديد من اللغات.

تطبيع العلاقة بين الفن والثقافة :

ربطت الفنان الكبير محمد عبد الوهاب علاقات حميمة مع مثقفي عصره أمثال طلعت حرب وأحمد شوقي وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وطه حسين وغيرهم، وقد كان لهؤلاء الأثر الأكبر في تحقيقه للمعادلة الصعبة في إبداع أعمال ترتقي بالذائقة الفنية إلى مستويات عليا مثل: «جفنه علم الغزل» و«الجندول» و«الكرنك» وغيرها من الروائع التي تغنى بها المثقف والإنسان العادي سواسية، وظل عبد الوهاب حتى بعد رحيله علامة كبرى في تاريخ الفن العربي..

كما أقام الفنان الراحل عبد الحليم حافظ أكبر شبكة علاقات مع مثقفي عصره من الأدباء والمفكرين والإعلاميين انعكست ثراء على شخصيته ومسيرته وسائر أعماله الفنية..

لقد كان الفن وما زال يعيش في ذاكرة الشعوب، ولذلك تجد مثلاً اليونانيين والرومان، قد بنوا الكثير من الأساطير حول الفن، وربما تحديداً حول الموسيقى، فقد قالوا إن رنات أوتار أبولون صدى صوت الطبيعة، رنات شجية ينقلها عن تغريد الطيور وخرير المياه وتنهدات النسيم وحفيف أغصان الأشجار..

إن تجاهل الفن كأحد روابط الثقافة لدى الشعوب قد يؤدي إلى طمس حضارة الشعب وإنسانيته بل وأنه قد يمحو جميع الهويات الثقافية التي سعى كثير من المثقفين للدفاع عنها وإبرازها ..

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار