هل يستطيع التحالف الصينى الروسى أن يشكل النظام العالمى الجديد
كتب : وائل عباس
تتصدر العلاقة بين الرئيس الصيني ” شي جين بينغ ” ونظيره الروسي ” فلاديمير بوتين ” المشهد السياسي العالمي ؛ باعتبارها واحدة من أكثر التحالفات الاستراتيجية تأثيرًا في العقد الأخير ؛ فليست هي علاقة تبعية أو مجاملة سياسية، بل ترتكز على الندية والمصالح المشتركة، لتعيد رسم خرائط النفوذ بين الشرق والغرب في ظل التوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة وحلفائها.
فمنذ تولي الرئيس الصيني ” شي ” الحكم ، عززت بكين حضورها على الساحة الدولية ، مستندة إلى قوتها الاقتصادية الهائلة وصعودها العسكري والتكنولوجي ، لتصبح الصين شريكًا لا يمكن تجاهله .
هذا الصعود تلاقى مع حاجة روسيا إلى سند قوي في مواجهة الضغوط الغربية والعقوبات الأمريكية ، ليجد بوتين في الصين حليفًا نديًا لا يقبل المساومة أو التنازلات في أي معادلات دولية .
اللافت للنظر هنا أن التعاون بين البلدين يتجاوز التعاون الأقتصادى وخاصة في مجال الطاقة ؛ إلى أبعاد سياسية وأمنية عميقة . فالصين تدعم الموقف الروسي في الملفات الدولية الكبرى دون أن تنجر إلى التبعية ، فيما توفر روسيا لبكين فرصة توسيع نفوذها الجيوسياسي وتأكيد حضورها كقوة عظمى . هذه المعادلة الندية تجعل أي محاولة أمريكية لعزل موسكو أو تطويق بكين غير مجدية ، إذ بات الطرفان يشكلان ثقلًا استراتيجيًا مضادًا لسياسات واشنطن .
القوة الحقيقية في علاقة ” شي وبوتين ” تكمن في قدرة الصين على أن تكون ورقة لا يستهان بها في أي مفاوضات بين روسيا وأمريكا . فوجودها يضمن لموسكو مظلة سياسية واقتصادية صلبة ، ويمنحها مساحة أكبر للمناورة بينما تستثمر بكين في هذا التحالف لتأكيد أنها لم تعد مجرد “قوة صاعدة”، بل قوة حاسمة لا يمكن تجاوزها .
ومن هنا تبدو العلاقة بين ” شي وبوتين ” أبعد من تحالف ظرفي ، فهي تمثل شراكة ندّية قائمة على المصالح الاستراتيجية ، تسعى لإعادة تشكيل النظام الدولي على أسس أكثر تعددية ، حيث لم يعد العالم حكرًا على قوة واحدة أو قطب مهيمن .
ولكن كيف يرى كلا منهما الأخر :
فالزعيمان الروسى والصينى لكل منهما خلفية وطنية وتاريخ نضالى طويل ورحلة كفاح ومصاعب كثيرة ؛ هى من شكلت هاتان الشخصيتان .
فالرئيس الصينى ” شى چين بينغ ” قد شرد ونفى واضطهد وسجن وتم رفض قبوله فى الحزب الشيوعى أكثر من سبع مرات ؛ رحلة كفاح مشبعة بالمصاعب حتى وصل إلى سدة الحكم ؛ قضى خلالها على الفساد بكل أشكاله وتخلص من كل مسؤول أو قائد عسكرى دارت شبهات الفساد حوله ؛ حتى أستطاع أن يصعد بالصين على قمة الهرم العالمى .
أما الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين “
فيتمتع أيضا بشخصية مخابراتية ذات رحلة كفاح ومصاعب ؛ أستطاع خلالها من أنقاذ بلاده من الإنزلاق إلى الأسفل بعد انهيار الأتحاد السوڤيتى السابق ؛ وتفكك دول الأتحاد على يد ” ميخائيل جورباتشوڤ ” ثم تسليم الحكم من بعده لرئيس ضعيف ك ” بوريس يلتسين ” ؛ وهذه نقطة تحسب لبوتين فهو الذى حافظ على وجود ومكانة بلاده كقوة عظمى بعد مخططات الغرب لتدميرها .
ومن هنا فقد أدرك الزعيمان أن نجاح شراكتهما الاستراتيجية يعتمد على فهم عميق لشخصية الآخر وأولوياته .
بوتين
بخبرته الطويلة في ميدان السياسة الدولية، درس التجربة الصينية وقيادة ” شي ” بدقة ، فوعى كيف نجح في المزج بين قوة الحزب الحاكم والأنفتاح الأقتصادي مع التشبث بالسيادة الوطنية في المقابل ، تابع ” شي ” مسيرة ” بوتين ” فرأى فيه نموذج الزعيم الذي أعاد بلاده إلى موقع قوة بعد مرحلة اضطراب ، ولم يتردد في استلهام أسلوبه في الحزم ومواجهة الغرب .
هذه الدراسة المتبادلة لم تكن مجرد تبادل معلومات، بل تحولت إلى قاعدة لفهم المصالح المشتركة :
مقاومة الهيمنة الأمريكية ، وتوسيع النفوذ العالمي عبر مبادرات اقتصادية وعسكرية ، مع الحرص على تقديم نفسيهما كقطبين قادرين على إعادة تشكيل موازين القوى . وهكذا لم يعد لقاء بوتين وشي مجرد اجتماع بروتوكولي، بل ثمرة لسنوات من التمعن المتبادل في شخصية الآخر ، ورغبة في صياغة تحالف يقوم على الندية والوعي الكامل بمكامن القوة والضعف .
ورغم ذلك فقد يكون تحالف ” بوتين وشي ” هو تحالف الضرورة لا تحالف الثقة
رغم الصورة التي يسعى كل من الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” ونظيره الصيني ” شي جين بينغ ” لإبرازها عن “شراكة إستراتيجية متينة”، فإن واقع العلاقة بينهما أكثر تعقيداً. فكل طرف درس الآخر دراسة وافية ، ليس بدافع الإعجاب فحسب ، بل بدافع الحذر والحرص على عدم الإنجرار وراء أوهام التحالف المطلق .
” بوتين ” يرى في ” شي ” زعيماً براغماتياً يستخدم الأقتصاد كأداة هيمنة ، ويخشى أن تتحول روسيا مع مرور الوقت إلى شريك أصغر تحت المظلة الصينية ، خاصة في ظل حاجة موسكو المتزايدة إلى الأسواق والأستثمارات الآسيوية بعد العقوبات الغربية . أما ” شي ” فقد قرأ شخصية بوتين جيداً ، ويدرك ميله إلى المغامرات العسكرية والبحث عن استعراض القوة ، وهو ما قد يجر الصين إلى مواقف لا تتوافق مع أولوياتها الأقتصادية .
الدراسة المتبادلة إذن لم تنتج ثقة مطلقة ، بل يقظة متبادلة … !!! فكلا الزعيمين يعرف أن الآخر لا يساوم على مصالحه الوطنية ، وأن لغة القوة والمصالح هي وحدها التي تحدد مسار العلاقة.
لذا، فإن التحالف الروسي–الصيني أقرب إلى “زواج مصلحة” فرضته الظروف الدولية، أكثر منه شراكة قائمة على انسجام الرؤى أو وحدة المصير .
هل يستطيع التحالف الصينى الروسى أن يشكل النظام العالمى الجديد
كتب : وائل عباس