الرئيسيةمقالاتهنا نابل
مقالات

هنا نابل

هنا نابل

بقلم ✍️ المعز غني

 

                             …. حول عبارة لا أحبّها

 

هناك عبارات تُقال كثيرًا ، حتى تتحوّل مع كثرة الترديد إلى ما يشبه القوانين غير المكتوبة ، تُفرض على العقول دون أن يُساءل معناها ، أو يُمحَّص جوهرها .

ومن بين تلك العبارات التي لم أستسغها يومًا ، ولم أؤمن بها مهما حاولوا تزيينها بالمنطق القاسي ، عبارة تقول :

«البقاء للأقوى».

 

وأنا أقول : لا …

لا لأنني أكره القوة ، ولا لأنني أُقلّل من شأنها ، بل لأنني أؤمن أن القوة وحدها ، حين تُجرد من القيم ، تتحوّل إلى قسوة ، وإلى أنانية ، وإلى صراع لا رابح فيه .

 

أنا لا أؤمن بأن البقاء حكر على من يرفع صوته أعلى ، أو يده أسرع ، أو نفوذه أوسع .

 

أنا أؤمن بأن: 

البقاء للأوفى … لمن لا يبيع العِشرة عند أول مفترق.

 

البقاء للأرقى … لمن يسمو بأخلاقه حين ينحدر الآخرون.

 

البقاء للأطيب … لمن لا يُتقن الأذى حتى لو أتقنه الجميع.

 

البقاء للأصدق … لمن لا يرتدي الأقنعة ولا يجيد التلوّن.

 

البقاء للأنقى … لمن يحافظ على بياض قلبه رغم سواد الطريق.

فالبقاء الحقيقي ليس معركة عضلات ، بل إمتحان قلوب .

 

البقاء الحقيقي لمن يحمل في قلبه إبتسامة ، لا تلك المصطنعة التي تُجامل ، بل تلك التي تُطمئن و التي تقول للآخر: أنت لست وحدك .

 

البقاء لمن يحمل في عقله مودة ، مودة تُحسن الظن ، وتلتمس الأعذار ، ولا تسرع إلى الإدانة. 

 

البقاء لمن يسكن في مشاعره رحمة ، رحمة تُخفف ولا تُثقل ، تحتوي ولا تُقصي وتداوي بدل أن تُوجع .

 

البقاء ، في نظري لمن يملك الإنسانية في تصرفاته ، فلا يجرح متعمدًا ولا يتلذذ بسقوط غيره .

لمن يجعل الحب أساس معاملاته ، حتى في الاختلاف وحتى في الخلاف ، وحتى حين لا يجد مقابلًا .

 

لمن يختار الرقة أسلوبًا في سلوكه ، في كلمته، في نظرته ، في حضوره ، وفي غيابه .

 

البقاء لمن يمدّ يده بالمساعدة دون انتظار شكر ، دون حساب مكسب ، ودون نية خفية ، لمن يحمل عنك بعض أعباء الحياة …

فقط لأنه إنسان… فقط لأنك إنسان . 

 

البقاء للمشاعر الحلوة ، للنيات الصافية ، وللقلوب البيضاء التي لم تُلوّثها الخيبات و للأرواح التي مازالت تؤمن أن الخير، وإن تأخر 

لا يموت .

 

أما القوة … فإن لم تُرافقها القيم ، تزول وإن لم يحرسها الضمير 

تنهار .

وفي الختام 

فالبقاء ، كل البقاء ليس للأقوى بل للأجمل إنسانيًا 

 

بقلم المعز غني

عاشق الترحال وروح الاكتشاف

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *