الرئيسيةمقالاتهيهات أن يساوم المؤمن في عقيدته
مقالات

هيهات أن يساوم المؤمن في عقيدته

هيهات أن يساوم المؤمن في عقيدته

هيهات أن يساوم المؤمن في عقيدته 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أمر بالإجتماع ونهى عن الإفتراق، وأشهد أن لا إله إلا الله الحكيم العليم، الخلاق الرزاق، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رُفع إلى السماء ليلة المعراج حتى جاوز السبع الطباق، وهناك فرضت عليه الصلوات الخمس بالاتفاق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نشروا دينه في الآفاق، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم التلاق ثم أما بعد ذكرت المصادر الكثير والكثير عن الوطن وحب الوطن وحق الوطن، وإن المسلم الحقيقي يكون وفيّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبا أشد ما يكون الحب له، مستعدا للتضحية دائما في سبيله بنفسه ونفيسة، ورخيصة وغالية، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، فهو حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة، فيا له من حب. 

 

فقد قيل لأعرابي كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ حين ينتعل كل شيء ظله؟ قال “يمشي أحدنا ميلا، فيرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى”

إن من سنن الله تعالى في خلقه أنه لا يلبث قوم أخرجوا رسولهم من أرضه إلا وقد نزل بهم عذاب من ربهم، وقال الإمام الطبري رحمه الله أي أن سنة الأمم والرسل كانت قبلك كذلك إذا كذبوا رسلهم وأخرجوهم، لم يناظروا أن الله أنزل عليهم عذابه، وكم كره سيدنا شعيب عليه السلام أن يسمع من قومه تهديد إخراجه من وطنه، فخيّروه بين عقيدته وبين ما تصوروا أنه أغلى ما يساوم عليه المرء، ألا وهو ترك الوطن، لكن هيهات أن يساوم المؤمن في عقيدته، فمهما كانت رابطة الإنتماء للوطن قوية إلا أن رابطة العقيدة أقوى وأوثق، وعلى نفس المنوال.

 

سار قوم سيدنا لوط عليه السلام، فبعد أن حاروا جوابا معه، وضاقوا ذرعا به وبدعوته إيّاهم للإيمان بالله وترك ما كانوا عليه من الفاحشة، هددوه بالإخراج من وطنه، لعلمهم بحبه لموطن نشأته، وصعوبة تركه لأرضه، فبهمهم إخراج نبيهم نزل بهم ما نزل بغيرهم من الأمم التي نصبت لرسلها العداء، وقد ذكر صاحب المستطرف من حب الأنبياء لوطنهم أن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أوصى بأن يحمل تابوته إلى مقابر آبائه، فمنع أهل مصر أولياءه من ذلك، فلما بعث موسى عليه الصلاة والسلام وأهلك الله تعالى فرعون، حمله موسى إلى مقابر آبائه، فقبره بالأرض المقدسة، وها هو سيدنا موسى يحنّ لوطنه بعد أن بقي في مدين عشر سنين، وقال علماؤنا لما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله، وحنّ إلى وطنه، وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغرار. 

 

وتركب الأخطار، وتعلل الخواطر، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل في حبه لوطنه، فقد إعترى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعتري كل وفيّ لتراب أرضه، ومحب لوطنه، فنجده تألم لفراقه، وحنّ شوقا إليه، وتحرك قلبه بذكر دياره، ودعا على من كان سببا في إخراجه، وشعر بما يشعر به كل مفارق لوطنه، وفي هذا يورد الإمام الذهبي رحمه الله في سيره مجموعة أمور يحبها صلى الله عليه وسلم فذكر أنه كان يحب عائشة، ويحب أباها، ويحب أسامة، ويحب سبطيه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أحد، ويحب وطنه، ويحب الأنصار، إلى أشياء لا تحصى مما لا يغني المؤمن عنها قط، ولشدة إرتباطه بوطنه تفاجأ من إخراج قومه له أكثر من مفاجأته بتكذيبهم وأذيتهم له، فعندما أخبره ورقة بن نوفل بالذي سيلقاه من قومه بسبب دعوته. 

 

وقال ” لتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه، فقال أو مخرجيّ هم؟ وقد عد السهيلي هذا دليلا على حبه صلى الله عليه وسلم لوطنه حين قال وذلك أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتكذبنه فلم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم قال ولتؤذينه فلم يقل له شيئا، ثم قال ولتخرجنه فقال أومخرجيّ هم؟ ففي هذا دليل على حب الوطن وشدة مفارقته على النفس.

هيهات أن يساوم المؤمن في عقيدته

هيهات أن يساوم المؤمن في عقيدته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *