الماء أصل الحياة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل حبه أشرف المكاسب، وأعظم المواهب، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة المطاعم والمشارب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزّه عن النقائص والمعايب، خلق الإنسان من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى الهدى والنور وطهارة النفس من المثالب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي سبيل النجاة والفلاح، أما بعد ذكرت المصادر الكثير عن نعمة الماء الذي هو شريان الحياة، وهذا الماء أصل الحياة وعنصرها الذي لا تنشأ إلا به كما قدر الله، فما دور الإنسان؟ دوره أن يشربه، أما الذي أنشأه من عناصره، وأما الذي أنزله من سحائبه، فهو الله سبحانه، وهو الذي قدر أن يكون عذبا فكان، ولو شاء الله لجعله أجاجا مالحا لا يستساغ، أو لا ينشئ حياة.
فهلا يشكرون فضل الله الذي أجرى مشيئته بما كان؟ واعلموا يرحمكم الله أن نزول الغيث من مفاتيح الغيب، فعن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهن إلا الله ” إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ” ومعني قوله تعالي ” إن الله عنده علم الساعة ” أي أن الله سبحانه وتعالى قد جعل الساعة غيبا لا يعلمها سواه، ليبقى الناس على حذر دائم، وتوقع دائم، ومحاولة دائمة أن يقدموا لها، وهم لا يعلمون متى تأتي، فقد تأتيهم بغتة في أي لحظة، ولا مجال للتأجيل في إتخاذ الزاد وكنز الرصيد، ومعني قوله تعالي ” وينزل الغيث ” أي أن الله عز وجل ينزل الغيث وفق حكمته بالقدر الذي يريده.
وقد يعرف الناس بالتجارب والمقاييس قرب نزوله، لكنهم لا يقدرون على خلق الأسباب التي تنشئه، والنص يقرر أن الله تعالي هو الذي ينزل الغيث لأنه سبحانه وتعالي هو المنشئ للأسباب الكونية التي تكونه وتنظمه، فإختصاص الله بالغيث، هو إختصاص القدرة كما هو ظاهر من النص، مع علم الله تعالي الشامل المحيط بكل شيء، فعلم الله وحده هو العلم الصحيح الكامل الشامل الدائم، الذي لا تلحق به زيادة ولا نقصان، ومعني قوله تعالي ” ويعلم ما في الأرحام ” أي إختصاص بالعلم كالإختصاص بأمر الساعة، فهو سبحانه الذي يعلم وحده علم يقين ماذا في الأرحام في كل لحظة وفي كل طور، من فيض وغيض، ومن حمل، حتى حين لا يكون للحمل حجم ولا جرم، ونوع هذا الحمل ذكر أم أنثى، حين لا يملك أحد أن يعرف عن ذلك شيئا في اللحظة الأولى لإتحاد الخلية والبويضة.
وملامح الجنين وخواصه، وحالته وإستعداداته، فكل أولئك مما يختص به علم الله تعالى ” وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ” وماذا تكسب من خير وشر، ومن نفع وضر، ومن يسر وعسر، ومن صحة ومرض، ومن طاعة ومعصية، فالكسب أعمّ من الربح المالي وما في معناه وهو كل ما تصيبه النفس في الغداة، وهو غيب مغلق، عليه الأستار، والنفس الإنسانية تقف أمام سدف الغيب لا تملك أن ترى شيئا مما وراء الستار، ويقول الله تعالي ” وما تدري نفس بأي أرض تموت ” فذلك أمر وراء الأستار المسبلة السميكة، التي لا تنفذ منها الأسماع والأبصار، وإن النفس البشرية لتقف أمام هذه الأستار عاجزة خاشعة، تدرك بالمواجهة حقيقة علمها المحدود، وعجزها الواضح، ويتساقط عنها غرور العلم والمعرفة المدّعاة، وتعرف أمام ستر الغيب المسدل أن الناس لم يؤتوا من العلم إلا قليلا.
الماء أصل الحياة