التحذير من مضار الرشوة العاجلة والآجلة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين مصرف الأمور، ومقدر المقدور “يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ” أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور الشكور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع يوم النشور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه فازوا بشرف الصحبة وفضل القربى ومضاعفة الأجور والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الآصال والبكور، أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن الرشوة وعن أضرارها علي الفرد والمجتمع، وطريقة علاجها، واعلموا يرحمكم الله أن طريق علاج أي داء إنما يبدأ من تشخيصه، ثم بمنع مسبباته، ثم علاج أعراضه ومضاعفاته، وإذا كان التشخيص قد وضح فيما والأسباب قد وضحت والأغراض ملموسة.
والمضاعفات تتزايد فلم يبقى إلا منهج العلاج، ومن المعلوم أن المرض الشخصي يتحمل مسئوليته الشخص المختص به، وإذا كان جماعيا تتحمل الجماعة مسئولية التعاون على علاجه، والرشوة جمعت بين الأمرين الشخصي والجماعي، فعلى الجميع أفرادا وجماعات واجب التعاون على علاجها، وقد رسم لنا القرآن والحديث منهج العلاج، وقبل كل شيء هو القضاء على مسبباتها كما علمنا ضعف الوازع الديني، فيعالج بتقويته وتوعية المجتمع توعية دينية، والتحذير من مضارها العاجلة والآجلة من مغبة الأكل الحرام وأثر السحت في النفوس والقلوب، وكما أن من وسائل العلاج للرشوة هو الرقابة على الأجهزة التي تكون مظنة تفشيها في أوساطها حتى يحسبوا لذلك حسابا، وهذا إن لم يمنعها كلية سيخفف من وطئها، ومصادرة كل ما ثبت أنه أخذ رشوة.
سواء كان هذا المأخوذ مالا أو عرضا أو أي عين مادية، حتى تقلل طمع المرتشين وتسد الطريق على من تسول له نفسه بها، كما فعل صلى الله عليه وسلم بابن اللتبية، وكما أن من وسائل العلاج للرشوة هو ما جاء في نص القرآن الكريم ” لولا ينهاهم الربانيون والأخبار ” والربانيون هم ولاة الأمر العالمون بحدود الله، والأحبار هم العلماء والمعلمون فيجتمع الوازع الديني من العلماء والوازع السلطاني من الحكام، وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال إنما يكره من الرشوة أن ترشي لتعطي ما ليس لك أو تدفع حقا قد لزمك، فأما أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام، وقال أبو الليث السمرقندي الفقيه وبهذا نأخذ أن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة، وهذا كما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان بالحبشة فرشا دينارين.
وقال إنما الإثم على القابض دون الدافع، وكذلك الآخذ إذا أخذ ليسعى في إصابة الحق فلا بأس به، لكن هذا ينبغي أن يكون في غير القضاة والولاة لأن السعي في إصابة الحق إلى مستحقه ودفع الظلم عن المظلوم واجب عليهم، فلا يجوز لهم الأخذ عليه، وعند الإمام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى، في موضعينن فالأول منهما هو أثناء الجواب على المطعومات التي تؤخذ عليها المكس ومحتكرة هل يحرم شراؤها؟ وبعد تفصيل طويل قال ألا ترى أن المدلس والغاش ونحوهما إذا باعوا غيرهم شيئا مدلسا لم يكن ما يشتريه المشترى حراما عليه لأنه أخذ منه أكثر مما يجب عليه، وإن كانت الزيادة التي أخذها الغاش حراما عليه، وأمثال هذا كثير في الشريعة، ثم قال مبينا قاعدة فقهية بقوله فإن التحريم في حق الآدميين إذا كان من أحد الجانبين لم يثبت في الجانب الآخر.
كما لو إشترى الرجل ملكه المغصوب من الغاصب، فإن البائع يحرم عليه أخذ الثمن والمشتري لا يحرم عليه أخذ ملكه، ولا بذل ما بذله من الثمن، ثم حكى أقوال العلماء في خصوص الرشوة، فقال ولهذا قال العلماء يجوز رشوة العامل لدفع الظلم، لا لمنع الحق وإرشاده حرام فيهما، ويعني في الأمرين الذين هما دفع الظلم أو منع الحق، ثم قال وكذلك الأسير والعبد المعتق إذا أنكر سيده عتقه، ومثل كذلك بالزوجة يطلقها زوجها فينكر طلاقها، فكل منهما يفتدي نفسه بالمال ليحق حقا وهو العتق والطلاق، ومعلوم أنهما حق لله تعالى وإلا بقيت الزوجة على غير عصمة، ولذا تجد الفقهاء في مثل ذلك قالوا لا تمكنه من نفسها بإختيارها لتكون في حكم المغصوبة، وإستدل رحمه الله في هذا المبحث بالأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ” إني لأعطي أحدهم العطية.
فيخرج بها يتلظاها نارا ” قالوا يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال “يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله له البخل” وقوله ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” ما وقى به المرء عرضه فهو صدقة ” فلو أعطى الرجل شاعرا أو غير شاعر لئلا يكذب عليه بهجو أو غيره كان بذله بذلك جائزا، وكان آخذ ذلك لئلا يظلمه حرام.
التحذير من مضار الرشوة العاجلة والآجلة