تحليل نقدى لرواية البوسطجى للأديب يحيى حقى:
بقلم/ د.حنان حسن مصطفي
تزامنت كتابة ونشر رواية “البوسطجي” ليحيى حقي في فترة شهدت تحولات اجتماعية وسياسية هامة في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين. يمكن تلخيص هذه الظروف كالتالي:
الظروف الاجتماعية:
التباين بين المدينة والريف: كانت مصر في تلك الفترة تشهد فجوة كبيرة بين حياة المدن الصاخبة والمنفتحة نسبياً، وحياة الريف الهادئة والمحافظة ذات التقاليد الراسخة. كان هناك تصور نمطي لدى سكان المدن عن الريف بأنه متخلف وبسيط، وهو ما نراه في نظرة بطل الرواية “عباس” القادم من القاهرة إلى قرية “كوم النحل”.
التغيرات في البنية الاجتماعية:بدأت تظهر طبقة متوسطة متعلمة تسعى للتغيير والتحديث، بينما كانت الغالبية العظمى من الشعب لا تزال تعيش في الريف وتعتمد على الزراعة.
قوة التقاليد والعادات: كانت العادات والتقاليد القبلية والعائلية لا تزال قوية في الريف، وتلعب دورًا كبيرًا في تشكيل العلاقات الاجتماعية وسلوك الأفراد. يظهر ذلك بوضوح في تعامل أهل القرية مع “عباس” الغريب عنهم، وفي جميلة وعواقب تجاوزها للتقاليد.
دور ساعي البريد: كان ساعي البريد في تلك الفترة شخصية هامة في المجتمعات، خاصة في المناطق النائية. كان يمثل حلقة الوصل بالعالم الخارجي ويحمل الأخبار التي قد تغير حياة الناس.
الظروف السياسية:
الاحتلال البريطاني:كانت مصر لا تزال تحت الاحتلال البريطاني (رغم حصولها على استقلال شكلي عام 1922)، وكانت هناك حركات وطنية تسعى للاستقلال التام والتحديث.
الصراع بين الأصالة والمعاصرة:كان هناك جدل واسع في الأوساط الفكرية والسياسية حول كيفية التوفيق بين الحفاظ على الهوية المصرية الأصيلة وتبني مظاهر الحداثة الغربية. يمكن رؤية هذا الصراع في نظرة “عباس” المتحررة نسبياً وبين قيم أهل القرية التقليدية.
بدايات التحديث الإداري: كانت هناك محاولات لتحديث الإدارة الحكومية وتوسيع نطاق الخدمات لتشمل المناطق الريفية، وهو ما يمثله إنشاء مكتب بريد في قرية نائية مثل “كوم النحل”
السياق الأدبي:
ريادة فن القصة القصيرة: كان يحيى حقي من رواد فن القصة القصيرة في مصر والعالم العربي، وكان يسعى لتقديم أشكال سردية جديدة تعبر عن الواقع الاجتماعي والنفسي للأفراد.
الاهتمام بقضايا المجتمع: كان الأدب في تلك الفترة يميل إلى تناول قضايا المجتمع وهموم الناس اليومية، ومحاولة فهم التغيرات التي تطرأ عليه.
في هذا السياق، جاءت رواية “البوسطجي” لتعكس هذا التباين الاجتماعي والثقافي بين المدينة والريف، وتستكشف دواخل النفس البشرية وتأثير الملل والفضول على سلوك الأفراد. كما يمكن قراءتها كإشارة ضمنية إلى صعوبة اندماج القيم الجديدة القادمة من المدينة في المجتمعات الريفية المحافظة.
تحليل نقدى لرواية البوسطجى للأديب يحيى حقى: