الرئيسيةمقالاتأنا وسيناء
مقالات

أنا وسيناء

أنا وسيناء

 أنا وسيناء

طارق غريب

 

ظلام ينسحب ببطء 

، ضوء ذهبي على طارق ،  

واقف في صحراء تمتد بلا نهاية.

 الريح تصفر ، كأنها تهمس بالأسماء القديمة.)

طارق : 

يا صحراء سيناء ، 

يا ذاكرة الحرب والسلام 

كم مرةٍ مررتُ بكَ دون أن أراكِ ، 

وكم مرةٍ رأيتكِ دون أن أفهمكِ؟

كل ذرة من رملكِ تروي سِفرًا لم يُكتَب بعد. 

(تظهر سيناء من الضوء ، 

عباءة من الرمل والسماء ، 

وجهها غامض شفاف.) 

سيناء : 

أنا التي انتظرْتُك طويلاً يا طارق 

منذ أول حجر وُضع في مدرستك القديمة 

ومنذ أول طلقة خرجت دفاعًا عني.

 

طارق : 

كنتُ أبحث عنكِ في الكتب يا سيناء ، 

في الحكايات التي حفظناها عن النصر ، 

لكنّ الكتب نسيت الدموع التي سبقت الانتصار.

 

سيناء : 

ولأنك تبحث بالقلب لا بالعين ، 

جئتُك لأُريكَ وجهي الحقيقي 

وجهي الذي لا يراه إلا من نزف معه.

 

 

(من عمق المسرح

، يدخل الشيخ البدوي ، 

 عصاه تتكئ على التاريخ.) 

الشيخ البدوي : 

السلام عليك يا ابن المدن 

هل جئتَ تسمع الأرض أم تكتبها؟

 

طارق : 

جئتُ أعتذر لها يا شيخ الصحراء ، 

عن صمتي الطويل ، وعن الذين نسوا خُطاهم فيها. 

 

الشيخ البدوي : 

الأرض لا تغضب يا طارق ، 

لكنها تئن إن لم يُصلِّ أحد على رملها.

هنا دُفن الرجال ، 

وهنا عبرت الخيول ، 

وهنا لا تُروى القصص إلا بدمٍ أو بصدق.

 

(سيناء تهمس بصوت خافت يشبه الريح)

سيناء : 

اشهد يا شيخ ، أني ما خنتُ أحدً ا، 

وأنهم ما زالوا يسكنونني وإن غابوا.

 

 

(يدخل الجندي محمود ، 

ثيابه تحمل آثار معركة قديمة ، 

يحمل خوذته بيده كمن يحمل رأسه.) 

محمود : 

يا سيناء ، لم أنسَ وجهي حين أشرقتِ عليّ بعد الحرب. 

كان الغبار يغطي كل شيء ، 

لكنّ عينيكِ ظلّتا صافتين كأنهما وعدٌ من السماء.

 

طارق : 

هل عدتَ حيًّا يا محمود ؟ 

قالوا إنك استشهدتَ عند تبةٍ لا اسم لها.

 محمود يبتسم : 

الشهيد لا يُدفن يا طارق ، 

بل يُوزَّع في صدور الذين يتذكرون.

أنا لستُ هنا جسدًا ،  

أنا ظلّ رفاقي الذين لم يعودوا.

 

سيناء تقترب منه : 

سلام عليك يا ابني ، 

يا من جعلتَ الرمل صليبًا والطلقة صلاة. 

 

(تدخل أم الشهيد ، ثوبها أسود ، 

تحمل صورة صغيرة ملفوفة بخرقة خضراء.) 

أم الشهيد : 

جئتُ أراكِ يا سيناء

ابني ما زال هنا ، أليس كذلك؟ 

قالوا دُفن في الرمل 

لكني كلما مرّت الريح سمعتُ صوته يقول : 

“أنا حيّ يا أمي.”

 

سيناء بصوت أمومي : 

هو حيّ يا أمّه ، 

في كل نخلةٍ ، في كل نسمةٍ ، 

في كل طلقةٍ أطلقت من أجل الحق. 

أم الشهيد : 

كنتُ أخاف أن أنسى صوته  

لكنّي كلما نمتُ ، 

سمعتُه يناديني من الصحراء : 

“لا تبكي يا أمي ، 

فأنا ما متُّ ، أنا أصبحتُ سيناء.” 

 

(طارق يقترب منها ، يضع يده على كتفها.) 

 

طارق : 

سلام لكِ يا أمّه ، 

لولاكِ ما قامت حرب ، 

ولا استراح وطن.

(تدخل كفاح 

، فتاة شابة تضع على رأسها غطاءً بسيطًا ، 

تحمل حقيبة مدرسية متهالكة.) 

كفاح : 

أنا من رفح يا طارق ، 

حيث البيوت تُهدم ويُبنى القلب من جديد.

أبي يقول لي : “احفظي اسم سيناء أكثر من اسمك.” 

وأنا حفظته ،لكني أخاف أن أعيش دونها. 

 

طارق يبتسم لها بحنو : 

بل ستعيشين لأجلها يا كفاح ، 

فأمثالكِ هم الذين يكتبون المستقبل بالحلم لا بالدم.

 

كفاح : 

علّمني أبي أن أزرع الورد فوق الجدار المهدوم ، 

وأن أقول في وجع القصف : “لن أموت قبل أن أضحك.” 

 

سيناء : 

يا ابنتي كفاح  

فيكِ أرى الغد الذي لا يُقهر.

 

 

(يدخل الأستاذ صلاح ،

 يحمل سبورة صغيرة ، 

 يرتدي بدلة قديمة.) 

الأستاذ صلاح : 

كنتُ أدرّس الجغرافيا يا طارق ، 

لكنّي اكتشفت أن سيناء لا تُدرّس ، 

بل تُعاش.

كانوا يسألونني : أين تقع؟ 

فأقول: “تقع في ضمير كل مصري صدق يومًا أنه إنسان.”

 

طارق : 

وهل ما زلتَ تدرّس يا أستاذ صلاح؟

 

الأستاذ صلاح بحزن : 

المدارس تغيّرت 

صار التلميذ يسألني : 

“هل الوطن مادة اختيارية؟”

 

(صمت ثقيل)

 

سيناء : 

علّمهم أني لستُ سؤالاً في الامتحان ، 

بل جوابًا يُكتَب بالدموع لا بالحبر.

 

 (تدخل الخالة صفية ،

 سلة الخضار على كتفها ، 

صوتها شعبي بسيط مليء بالحكمة.) 

الخالة صفية : 

صباح الفل يا طارق  

جايين تفتكروا سيناء؟

وأنا كل يوم أفطر على ذكرها!

الرغيف من ترابها ، والمية من نيلها ، والملح من دموعها. 

 

طارق بابتسامة محبة : 

يا خالة صفية  

أنتِ الوطن في أبسط صورة ،  

صوتكِ أشبه بالأذان قبل الحرب.

 

الخالة صفية : 

الوطن مش كلام يا ابني ، 

الوطن لما تبكي على حبة طماطم اتزرعت في أرضه.

 (ضحك خفيف من الجميع.) 

 (يدخل عم عطية الفكهاني ،

 يحمل قفص تفاح ، صوته مرح لكنه يلمس القلب.) 

عم عطية : 

أنا جاي أفرّق التفاح يا ناس ، 

بس بين تفاحة وتانية ، لقيت قلبي متعلق برملة من رملها! 

هو في بلد زي دي؟

كل شمسها بتضحك ، حتى وهي بتتوجع! 

 

سيناء : 

يا عطية  

من يضحك رغم الألم ، 

هو من يحميني دون أن يدري.

 

عم عطية ينظر إليها بعين دامعة : 

أنا كنت فاكر إن الوطنية بس في النشيد ، 

لكن طلعت في عرق الراجل ، 

 لما يشيل طوبة عشان يعمر بيت على أرضك. 

(الكل يقف حول طارق في دائرة.

 الإضاءة تميل إلى الذهب ،

 والموسيقى ترتفع شيئًا فشيئًا.) 

طارق بصوت ممتزج بالعزم : 

يا سيناء ، 

يا وطنًا من صمتٍ ورملٍ وماء ، 

يا جرحًا يلمع كالنجمة ، 

ها نحن نعود إليكِ لا لنحكي عن الحرب ، 

بل لنقول إنكِ لا تزالين حيّةً فينا.

 

الجميع معًا بصوت جماعي : 

سيناء لا تُباع 

سيناء لا تُنسى

سيناء تسكننا!

 

(سيناء ترفع يدها ،

 يتحول الضوء إلى أبيض ساطع ، 

يصمت الجميع.) 

سيناء بصوت عالٍ يملأ المسرح : 

أنا الأرض ، ومن نسيَ الأرض ، نسي نفسه.

 

(إظلام تدريجي ، يُسمع صوت الريح من جديد ، 

كأنها تصفّق للحياة.) 

أخلع تعليك ، إنك بالوادي المقدس .

تمت 

أنا وسيناء

أنا وسيناء

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *