من يبيع السمّ يقتل أجيالًا.. لا تهاون مع تجار المخدرات
بقلم : عماد نويجي
بدأت الحكاية في لحظة فراغ قاتلة كان كل شيء يبدو عاديا لكنه كان من الداخل ينزف كان يشعر أن الدنيا ضده أن الأبواب كلها مغلقة أمامه وأن لا أحد يفهمه في يوم ما جاءه صديق قديم بابتسامة خادعة وورقة مطوية داخلها ما سماه سحر النسيان قال له جربها مرة واحدة بس وهتنسى كل همومك كانت المرة الأولى كأنها رحلة قصيرة خارج الزمن دفء غريب وراحة زائفة وحلم جميل خادع جعله يصدق أن الحل في هذه الجرعة الصغيرة
شيئا فشيئا تحول الحلم إلى قيد ثقيل لم يعد يستطيع أن يضحك إلا بها ولا ينام إلا بعدها أصبح يرى الحياة رمادية كل شيء بلا طعم إلا تلك اللحظة التي يخدع فيها جسده وعقله كان يشعر بالعار لكنه لا يستطيع التوقف كان يقول لنفسه آخر مرة لكنه في كل مرة يعود أقوى وأضعف في الوقت ذاته
بدأ الجسد يصرخ الألم لا يرحم والروح تهوى أكثر في الظلام بدأ يخسر من يحب ومن يثق به ضاعت نقوده تبخرت أحلامه وأصبح وجهه مرآة لما فعل به الإدمان حتى جاء اليوم الذي نظر فيه في المرآة فلم يعرف نفسه أدرك أنه لو استمر سيُدفن حيا قرر أن يهرب لا من العالم بل من المخدر نفسه
كانت الأيام الأولى جحيما لا يوصف العرق البارد والرجفة والصراخ الداخلي كل ذرة في جسده كانت تطلب السم القديم كان الليل أطول من العمر وكان يسمع صوتا بداخله يقول ارجع هتهدأ مرة تانية لكنه قاوم بدموعه وبكامل ضعفه استمر على العلاج جلسات طويلة ودموع أكثر
بعد أسابيع بدأ الجسد يهدأ شيئا فشيئا الألم لا يزال موجودا لكنه مختلف الآن صار يشعر به وهو يقاومه لم يعد عبد الإبرة أو الحبوب بدأ يكتشف نفسه من جديد ويدرك أن الحياة لا تحتاج هروبا بل شجاعة رحلة التعافي استمرت شهورا طويلة دفع فيها ماله وصحته ودموعه لكنه في النهاية ربح نفسه
الآن حين تمر أمامه رائحة المخدر أو يراه في يد أحد يشعر بالاشمئزاز لا بالحنين لقد مات الإحساس القديم بداخله واستيقظ إنسان جديد أقوى أنضج وأكثر وعيا بأن السقوط سهل لكن الوقوف بعده هو البطولة الحقيقية
حين بدأ يستعيد وعيه الكامل واجه الحقيقة المرة أن تجار المخدرات لا يبيعون نشوة بل يبيعون قبراً ببطء يبتسمون في وجهك كأنهم أصدقاء لكنهم في الحقيقة حفارو أرواح يعرفون جيداً كيف يصنعون الوهم ويزرعون الموت في العقول والجيوب يتحدثون عن الراحة والحرية وهم يضعون حولك سلسلة من نار لا تنطفئ
أدرك أن التاجر لا يهتم إن كنت أباً أو ابناً أو صديقاً كل ما يهمه أن يراك محتاجاً ضعيفاً تركض إليه كل يوم لتشتري موتك بمالك وكرامتك هؤلاء لا يعرفون معنى الرحمة يربحون من دموع الأمهات ومن صرخات البيوت التي خربها الإدمان ومن شباب ضاع مستقبلهم في لحظة غباء وثقة عمياء
نصيحته لكل من يفكر ولو للحظة أن يجرب هذا السم القاتل أن يتذكر أنه لا توجد تجربة آمنة مع المخدر أن أول مرة قد تكون بداية النهاية أن لحظة الفضول قد تكلفك حياتك وأن القوة الحقيقية ليست في التجربة بل في الرفض أن تقول لا بكل يقين لأن من يظن أنه يسيطر على المخدر هو في الحقيقة أسيره الأول
الإدمان لا يرحم لا يختار لا يفرق بين غني وفقير بين متعلم وجاهل إنه طريق واحد يبدأ بلحظة نسيان وينتهي بسنوات ضياع لا تختبر ضعفك بهذه الطريقة فكل من مشى في هذا الطريق خرج منه ناقصاً شيئاً من روحه أو كرامته أو عمره
احذر من رفقة السوء من كلمة “جرب” من وعدٍ زائفٍ بالسعادة لأن السعادة الحقيقية لا تأتي من حقنة أو سيجارة أو حبة بل من قلبٍ راضٍ وعقلٍ صاحٍ ونفسٍ تعرف أنها أغلى من أن تُباع بثمنٍ من السمّ والعاريجب على الدولة أن تتابع تجار الموت بكل حزم وأن تفرض أشد العقوبات دون رأفة فهؤلاء ليسوا تاجرَ بل غرباء عن الإنسانية يقتلعون مستقبل أجيال ويقاسمون القتلة في الجريمة بل يتفوقون في ما يزرعونه من موت.
لا تهاون مع التهريب ولا تهاون مع شبكات التوزيع ولا تساهل في الفساد الذي يغطيهم يجب تفكيك شبكاتهم القانونية والمالية وتعقب أموالهم وممتلكاتهم تعاون دولي لحظر منابع التوريد وتشديد أدلة الإثبات وحماية الشهود وإجراءات سريعة في المحاكم.
إلى جانب القمع القانوني لا بد من سياسة وقائية ناجعة تعليم وإصلاح مدارس وبرامج توعية ودعم لضحايا الإدمان بمراكز تأهيل فعّالة حتى نقطع دورة الموت من الجذور.
من يبيع السم يجب أن يلقى جزاءه القاطع فحياة شباب الوطن أغلى من كل مصلحة أو ربح.
من يبيع السمّ يقتل أجيالًا.. لا تهاون مع تجار المخدرات