الرئيسيةمقالاتالعزلة.. بداية القوة لا نهايتها
مقالات

العزلة.. بداية القوة لا نهايتها

العزلة.. بداية القوة لا نهايتها

العزلة.. بداية القوة لا نهايتها

 

بقلم / حسام النوام 

 

في زحمة هذا العالم، وسط الضجيج المتلاحق والأحداث التي لا تتوقف، يمرّ الإنسان بلحظات يشعر فيها أن صمته صار أصدق من الكلام، وأن عزلته لم تعد ضعفًا بل استراحة محارب يستعيد فيها نفسه من فوضى الأيام.

لم نعد كما كنا من قبل… تغيّرنا لأننا نضجنا، لأننا عرفنا أن طاقتنا أغلى من أن تُهدر في نقاشات بلا معنى، وأن وقتنا أثمن من أن يُستهلك في وجودٍ شكلي لا يضيف لحياتنا شيئًا.

صرنا نختار الصمت حين يكون الحديث بلا فائدة، ونختار البُعد حين يصبح القرب مرهقًا، ونختار الهدوء حين يكون الضجيج عدوًّا للسلام الداخلي.

لكن العزلة هنا ليست انسحابًا من الحياة، بل عودة أقوى إليها.

هي فترة بناءٍ داخلي، فيها نعيد ترتيب أولوياتنا، ونرمم أرواحنا، ونعيد تعريف أنفسنا بعيدًا عن ضغوط الناس وضجيج التفاصيل. إنها الوقت الذي نعود فيه إلى أصلنا، إلى أحلامنا الأولى، إلى ما كنا نؤمن به قبل أن تلهينا الحياة.

العزلة لا تُطفئ الضوء في داخلنا، بل تنظفه من الغبار.

هي فرصة نكتشف فيها أننا لسنا بحاجة للآخرين كي نكون بخير، بل بحاجة لأن نكون صادقين مع أنفسنا. أن نحب أنفسنا كما هي، ونستعيد قوتنا من الداخل، لا من تصفيق الآخرين أو حضورهم العابر.

كلما تقدّمنا في العمر، نفهم أكثر أن السلام النفسي هو الكنز الحقيقي. لا المال ولا المنصب ولا كثرة الناس حولنا تمنحنا الطمأنينة التي نجدها في لحظة صمتٍ خالصة مع النفس.

حين نجلس في هدوء، نستمع لأنفاسنا، ونتأمل ما مررنا به، نكتشف أننا أقوى مما ظننا، وأننا اجتزنا الكثير دون أن نفقد إنسانيتنا.

العزلة الحقيقية ليست نهاية الطريق، بل بدايته.

هي جسرٌ نعبره من مرحلة التعب إلى مرحلة النضج، من الضياع إلى الوعي، من التشتت إلى الوضوح. ومن يصل إلى هذا السلام الداخلي لا يعود كما كان، بل يعود أهدأ، أنضج، وأقرب لنفسه من أي وقت مضى.

في النهاية، ليس المهم كم عدد من حولك، بل كم مرة كنت صادقًا مع نفسك.

وليس العيب أن تختار العزلة، بل أن تبقى في زحامٍ يُطفئك كل يوم.

تعلّم أن الهدوء ليس ضعفًا، بل حكمة. وأن الوحدة ليست فراغًا، بل اكتمال.

فأحيانًا، كي تبدأ من جديد، عليك أن تصمت قليلًا… وتختلي بنفسك لتتذكّر من تكون، وما الذي تستحقه فعلًا.

العزلة ليست انسحابًا من الحياة، بل خطوة نحو حياةٍ أعمق وأصدق، وحين نصل إلى تلك المرحلة، نعرف أن أجمل ما في العمر… هو أن نجد السلام في داخلنا مهما تغيّر العالم حولنا.

العزلة.. بداية القوة لا نهايتهاالعزلة.. بداية القوة لا نهايتها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *