الرئيسيةمنوعات“طلقة في طريقها إلى صدري “
منوعات

“طلقة في طريقها إلى صدري “

"طلقة في طريقها إلى صدري "

“طلقة في طريقها إلى صدري “

بقلم: طارق غريب 

 

كأن الزمن يتباطأ لتكشف اللحظة ، 

.عن عُمق الحياة قبل ارتطام النهاية.

(إضاءة خافتة. صوت صفير الريح.

ثم فجأة ، صوت طلقة.)

الصوت : طاخ!

(الزمن يتجمّد.

الطلقة متوقفة في الهواء ،

 تتوهج بخيطٍ من الضوء.

طارق يقف في منتصف المسرح ، والطلقة في طريقها إليه.)

 

 ما قبل الاصطدام

طارق بصوت مبحوح :

كانت الطلقةُ تسافرُ ببطءٍ غريب ،

كأنها تعرفُ أنَّ الصدرَ ينتظرُها منذ زمن.

لم تأتِ من بندقيةٍ ،

بل من قلبٍ كنتُ أنا من سلَّحتُهُ بالخذلان.

(يظهر طيف الخيانة من خلفه ،

 امرأة ترتدي وشاحاً أسود ، تهمس بخبث )

الخيانة :

كنتَ تنحتُ وجهي من الأملِ ،

ثم تلومني حين صرتُ سكيناً.

أنا الطلقةُ يا طارق ، 

خرجتُ من قلبك لا من فوهةِ بندقية.

طارق يحدّق فيها :

كم من الكلماتِ حملتُها كدرعٍ من قصب ،

وكم من الصمتِ خبّأتُه في جيبي خوفاً من الانفجار.

كنتُ أقولُ لهم :

أنا لا أموتُ بسهولة ،

لكنّي كنتُ أموتُ كلّ يومٍ ، 

في مكانٍ مختلف من جسدي.

(يدخل الضمير ، يرتدي ثوباً أبيض ، صوته يقطر عتاباً.)

الضمير :

ألم أُحذّرك؟

حين تسلّح الحلمَ بالعاطفة ، يصير الخذلانُ حرباً.

طارق :

كنتُ أبحثُ عن سلامٍ يشبهُ الطفولة ، 

لكنّ العالمَ لا يملكُ إلا خرائطَ من دم.

 رحلة الطلقة

(تتحرّك الطلقة ببطءٍ عبر المسرح. 

تظهر الذاكرة ، فتاة ترتدي ثوباً أزرق ،

 تحمل صندوقاً صغيراً.)

الذاكرة :

أتذكرُ أولَ وعدٍ يا طارق؟

حين قلتَ “لن أخون نفسي أبداً” ، 

ومنذ تلك اللحظة ، بدأتَ تخونها بالصبر!

طارق يأخذ منها الصندوق : 

هذا الصندوقُ ثقيلٌ كالتاريخ.

فيه رائحةُ الوطن ، ودموعُ أمي ،

وفيه أيضاً وجهُ من أحببتُ ،

حين كان وجهُها صلاةً ، ثم صار محرقة.

(تتقدّم الوطن ، يرتدي عباءة من ترابٍ وذهب.)

الوطن :

أنا لم أُطلق عليك النار يا طارق ، 

أنا فقط صمتُّ طويلاً.

فامتلأ صمتي بالبارود.

طارق بوجعٍ عميق :

الطلقةُ ليست رصاصاً ، 

إنها خيانةٌ بصوتٍ معدنيّ ، ووجهٍ كنتُ أحبّه.

أتدرون متى يصير الإنسانُ هدفاً؟

حين يؤمنُ بشيءٍ أكثر من اللازم.

حين يصدقُ أنَّ القلبَ وطنٌ ،

فتأتي الحقيقةُ كقذيفةٍ تحمل علمَ الواقعيّة.

 ارتطام الفكرة بالحقيقة

(يتجمد الزمن أكثر.

تدخل الحقيقة ، 

ترتدي ثوباً فضيّاً لامعاً.)

الحقيقة : 

أنا لستُ عدوتك يا طارق ، 

أنا فقط المرآةُ التي تكرهُ أن تراها.

حين قلتَ إنّك لا تموتُ ، كنتَ تكذب على قلبك.

الأمل طفل يحمل شمعة :

لكنه ما زال يحلم يا ‘حقيقة’.

الطلقةُ ربما تصنعُ ثقباً يدخل منه الضوء.

طارق :

طلقةٌ في طريقها إلى صدري ، 

وأنا لا أهرب.

لأنّي تعبتُ من المراوغة بين الحلم والحقيقة ،

بين اللهفةِ والخذلان ،

بين أنا ، وأنا الآخر الذي يسكنني كعدوٍّ نبيل.

 المناجاة الأخيرة

(الضوء يتحوّل إلى وهجٍ ذهبي.

يقترب طارق من الطلقة ببطء ، 

يمدّ ذراعيه كمن يستقبل قدراً مقدّساً.)

طارق :

يا رب

إن كان لابدّ أن تصلَ الطلقةُ ،

فاجعلها تصيبُ الجزء الذي لم يتعلّم بعدُ معنى الغفران.

الضمير :

الغفرانُ هو أقصى أشكال القوة يا طارق.

الموت صوت عميق هادئ :

وأنا ، لستُ النهاية ،

بل السطرُ الذي يكتبه الضوءُ في آخر القصيدة.

الوطن بصوت متهدّج :

نم قليلاً يا ولدي ،

فكلُّ من أحبّ بصدقٍ ، 

أُصيبَ بطلقةٍ في صدره يوماً ما.

التحوّل

(صوت ارتطام ناعم ، لا كأنه موت ، بل ولادة.

يملأ الضوء المسرح ، وتتفتت الظلال.)

طارق بصوتٍ يخرج من النور :

أنا آخرُ الممرّاتِ في هذا القلب ،

آخرُ النوافذِ المطلةِ على الضوء ،

آخرُ مَن صدّقَ أنَّ الإنسانَ ، 

يمكن أن يُصلح العالمَ بقصيدةٍ أو قُبلة.

(يتوقّف ، يبتسم.)

طارق :

ها هي الطلقةُ تقترب ، 

وأنا ، أفتحُ ذراعي .

لأنَّ الموتَ الحقيقيَّ ليس أن تخترقَك رصاصة ،

بل أن تمرَّ الحياةُ من جوارك ، 

ولا تصيبك بشيء.

(إضاءة تنطفئ ببطء.

يبقى صوتٌ أخير من بعيد )

الصوت :

طلقةٌ ، في طريقها إلى صدري ، 

لكنّي اخترتُ أن أحتضنها ،

لعلّها تتحوّل إلى نور.

تمت

“طلقة في طريقها إلى صدري ”

"طلقة في طريقها إلى صدري "

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *