القدوة الحقيقية بين الأمس واليوم
بقلم: محمود سعيد برغش
نحن في زمنٍ عجيب، انقلبت فيه الموازين، وأصبح المعيار في العظمة عدد المتابعين لا عدد المواقف، وفي القدوة من يرقص أو يسجل هدفًا، لا من يسجد لله أو يرفع راية الحق.
الشباب والأطفال اليوم يحلمون بأن يكونوا مثل لاعبي الكرة أو الممثلين، يلاحقون أخبارهم، ويقلدونهم في المظهر والحديث، حتى صار التفاخر بالشهرة لا بالخلق ولا بالعلم.
لكن…
هل سأل أحدهم نفسه: من هم أبطال الإسلام الحقيقيون؟
هل تمنيت يومًا أن تكون مثل الصحابة؟
أتعلم أن أول غلامٍ دخل الإسلام هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي تربى في بيت النبوة، وضحّى بنفسه ليلة الهجرة لينام في فراش رسول الله ﷺ؟
وأول رجلٍ أسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي أنفق ماله وجهده في نصرة الدين، وكان أول من آمن من الرجال؟
وأول امرأةٍ آمنت برسالة محمد ﷺ هي السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي ثبّتت النبي ﷺ حين فزِع من الوحي وقالت له:
“كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.”
وهل تعرف من هو حمزة بن عبد المطلب أسد الله، الذي استُشهد في سبيل الله، وخلّد اسمه في قلوب المؤمنين؟
وهناك بلال بن رباح مؤذن رسول الله ﷺ، العبد الذي رفعه الإيمان حتى سمع النبي ﷺ خَطْوه في الجنة.
ومصعب بن عمير أول سفير في الإسلام، ترك نعيم مكة ليحمل النور إلى المدينة.
ثم تعال نذكر القادة العظام الذين غيّروا وجه التاريخ:
خالد بن الوليد سيف الله المسلول الذي خاض أكثر من مئة معركة ولم يُهزم.
أبو عبيدة بن الجراح أمين الأمة، الذي كان زاهدًا متواضعًا رغم مكانته.
سعد بن أبي وقاص أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله، وقائد معركة القادسية.
عمرو بن العاص فاتح مصر، الرجل الحكيم القوي في السياسة والحرب.
النعمان بن مقرن الذي سقط شهيدًا وهو يقود جيش المسلمين في نهاوند.
القعقاع بن عمرو التميمي، الذي قال عنه الصديق: “صوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل.”
أسامة بن زيد، القائد الشاب الذي ولاه النبي ﷺ جيشًا فيه كبار الصحابة، وقال عنه ﷺ:
“إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن ابنه من بعده لخليقٌ للإمارة.”
زيد بن حارثة حبّ رسول الله ﷺ، وأحد القادة الذين رفعوا راية الإسلام بشرف
صلاح الدين الأيوبي الذي حرّر القدس بعد مئة عام من الاحتلال الصليبي.
نور الدين زنكي الذي مهّد للنصر العظيم وأقام العدل بين الناس.
عمر بن الخطاب الفاروق الذي ملأ الأرض عدلاً.
عثمان بن عفان ذو النورين الذي جهّز جيش العُسرة وأنفق ماله في سبيل الله.
علي بن أبي طالب باب مدينة العلم، وخليفة المسلمين الرابع الذي ضرب أروع أمثلة العدل والزهد.
هؤلاء هم نجوم السماء التي لا تغيب، قادت الأمة بسيوفهم وقلوبهم وإيمانهم، لا بعدسات الكاميرات ولا عبر الشاشات.
قال الله تعالى:
“لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ”
(سورة الأحزاب: 21)
وقال سبحانه:
“أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ”
(سورة الأنعام: 90)
وقال رسول الله ﷺ:
“خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.”
(رواه البخاري ومسلم)
وقال أيضًا ﷺ:
“المرء مع من أحب.”
(رواه البخاري)
فمن أحب الصالحين والصحابة والتابعين رُجِي أن يُحشر معهم يوم القيامة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزّ بغيره أذلّنا الله.”
وقال ابن القيم رحمه الله:
“من أحبّ شيئًا غير الله عُذّب به.”
وقال الإمام الشافعي:
“إذا لم يكن العلماء أولياءَ الله، فليس لله وليّ.”
وقال الحسن البصري:
“من جلس إلى صاحب هوى ولم يردّ عليه، ألقى الله عليه الذلّ.”
يرى الشرع الشريف أن القدوة لا تكون إلا في من اتبع الحق، قال تعالى:
“وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا”
أي قدوة يُقتدى بها في الخير.
وقال العلماء:
الاقتداء بالمؤمنين الصالحين عبادة، والاقتداء بأهل الباطل فتنة.
ليست البطولة أن تسجّل هدفًا في مرمى، بل أن تُسجّل اسمك في صحائف الخالدين.
ولا العظمة في شهرةٍ زائلة، بل في صدقٍ يخلّدك عند ربك.
فلنعلّم أبناءنا أن القدوة الحقيقية هي من قادوا الدنيا بالإيمان لا بالشهرة،
ومن كتبوا التاريخ بسيوفهم ودموعهم وسجودهم.
القدوة الحقيقية بين الأمس واليوم