الرئيسيةمقالاترفع أسعار البنزين في مصر.. بين إصلاح الدولة ووجع المواطن
مقالات

رفع أسعار البنزين في مصر.. بين إصلاح الدولة ووجع المواطن

رفع أسعار البنزين في مصر.. بين إصلاح الدولة ووجع المواطن

رفع أسعار البنزين في مصر.. بين إصلاح الدولة ووجع المواطن

 

 بقلم: محمود سعيد برغش

 

في الساعات الأولى من فجر الخميس الماضي، فوجئ المواطن المصري بقرار جديد من لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية يقضي برفع أسعار البنزين والسولار بنسب تراوحت بين 75 قرشًا وجنيه ونصف للتر، لتصبح هذه الزيادة هي الرابعة خلال عامٍ واحد. القرار أثار موجة واسعة من الجدل والانقسام بين المواطنين، وانعكست آثاره على الشارع والأسواق فورًا.

وفقًا لبيانات وزارة البترول، فإن أسباب الزيادة تعود إلى:

ارتفاع أسعار النفط عالميًا بعد التوترات في الشرق الأوسط.

زيادة تكلفة استيراد الخام نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه.

استمرار الدعم الجزئي للوقود في الموازنة العامة، ما يحمّل الدولة أعباء ضخمة.

رغبة الحكومة في ترشيد الاستهلاك وتشجيع التحول للغاز الطبيعي.

ومع ذلك، يرى بعض الاقتصاديين أن الزيادة جاءت في توقيت صعب، حيث ما زال المواطن يعاني من آثار الغلاء وارتفاع الأسعار في مختلف السلع والخدمات.

اختلفت ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الناس في الشارع:

الفئة الأولى ترى أن القرار “ضروري” لأن الدولة لا تملك بدائل كثيرة وسط تقلبات السوق العالمي، ويجب أن نتحمل جميعًا جزءًا من الأزمة.

الفئة الثانية اعتبرته “قاسيًا” ويؤدي إلى موجة جديدة من الغلاء خاصة في المواصلات والسلع الأساسية.

الفئة الثالثة رأت أن الحل لا يكون في رفع الأسعار فقط، بل في محاربة الفساد والاحتكار وتحسين دخول الموظفين والعمال.

وبين هؤلاء وهؤلاء، يبقى المواطن البسيط هو من يدفع الثمن الأكبر.

الإسلام وضع أسسًا راسخة للعدل في الأسعار والمعاملات، فلا يُترك السوق للفوضى، ولا يُظلم الناس باسم المصلحة العامة.

قال الله تعالى:

{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [الأنعام: 152]

{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85]

وقال النبي ﷺ:

“إن الله هو المسعِّر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال.”

(رواه أبو داود والترمذي)

وقد رفض النبي ﷺ التسعير الجبري في زمنه حين لم يكن هناك ظلم أو احتكار، لأن السوق كان يتأثر بعوامل طبيعية لا بظلم التجار.

لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

“لو أن الناس ظلم بعضهم بعضًا في الأسعار، لفرضت عليهم التسعير حتى لا يأكل قويٌّ الضعيف.”

أي أن التسعير جائز عند الضرورة لحماية الناس من الظلم والاحتكار.

وقال الإمام ابن تيمية:

“تسعير الناس على وجه العدل جائز إذا كان فيه مصلحة عامة ودفع للضرر.”

إذن، يجوز للدولة التدخل لضبط الأسعار إذا اختل ميزان السوق، لكن يجب أن تراعي القدرة الشرائية للمواطن وعدم تحميل الفقراء ما لا يطيقون.

يرى العلماء المعاصرون أن الدولة يمكن أن ترفع الأسعار في حدود الضرورة إذا كانت تواجه أزمة مالية أو ارتفاعًا عالميًا في التكلفة، بشرط أن:

ترافق الزيادة برامج دعم مباشر للفقراء.

يتم الرقابة على الأسواق حتى لا يتحول القرار إلى ذريعة للجشع.

تكون الشفافية حاضرة في إعلان الأسباب الحقيقية للقرارات الاقتصادية.

الاقتصاد ليس أرقامًا فقط، بل هو حياة الناس ومعيشتهم.

من غير المنصف أن يتحمل المواطن وحده نتائج قرارات الإصلاح، بينما هناك فئات تعيش في رفاهية محصنة من الغلاء.

يجب أن تكون العدالة الاجتماعية جزءًا لا يتجزأ من أي إصلاح اقتصادي، لأن الله تعالى أمر بالعدل والإحسان، فقال:

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90]

رفع أسعار البنزين قرار له أسبابه الموضوعية، لكنه أيضًا له تأثيراته الإنسانية المؤلمة.

يبقى المطلوب من الدولة مصارحة الناس بالحقائق، ومن المواطن الصبر والأمل في غدٍ أفضل، ومن الإعلام الصدق والموضوعية.

فالإصلاح لا يكتمل إلا حين يشعر المواطن أن العدالة تمسه كما تمسه القرارات.

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]

رفع أسعار البنزين في مصر.. بين إصلاح الدولة ووجع المواطن

رفع أسعار البنزين في مصر.. بين إصلاح الدولة ووجع المواطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *