هنا نابل
بقلم المعز غني
مهرجان الهريسة في دورته الحادية عشرة بدار نابل
من تنظيم جمعية صيانة مدينة نابل
في نابل المدينة التي تتحدث فيها الألوان قبل الكلمات ، وتعبق الأزقة برائحة الفلفل المجفف الممزوج بنبض البحر والذكريات ، تواصل دار نابل بالمدينة العتيقة ، إحتضان الدورة الحادية عشرة لمهرجان الهريسة ، هذا العرس التراثي الذي يجمع بين جودة المنتوج وأصالة الهوية .
اليوم الثاني من المهرجان جاء مفعماً بالحياة ، كلوحة فسيفسائية تتناثر فيها ضحكات الزوار ، وأصوات الطهاة ، ولمسات الفنانين التشكيليين الذين جعلوا من الفلفل الأحمر رمزاً للجمال الشعبي التونسي .
منذ الصباح ليوم السبت 18 أكتوبر 2025 ، فتحت دار نابل أبوابها أمام عشّاق النكهة التونسية الأصيلة .
العطور تتراقص في الهواء ، وأكوام الفلفل المجفف تزيّن الساحات كعقود من الياقوت ، في الأروقة تتواصل ورشات إعداد الهريسة التي تُظهر مهارة النساء وأسرار الوصفات الموروثة جيلاً بعد جيل ، فيما يشهد الفضاء الفني ورشة فسيفساء حول الفلفل والهريسة بتوقيع الفنان لطفي بالطيب ، في مشهد يجمع بين الفن والنكهة والتراث .
مع حلول المساء ، تعالت أصوات التنشيط من ساحات دار نابل ، حيث قدّمت جمعية سفيرات الحمامات عرضاً راقياً في فن الطبخ والتذوق ، مزجت فيه بين الأصالة والإبداع ، فغدت الأطباق لوحات فنية تُخاطب الحواس قبل أن تلامس المذاق .
كان اليوم الثاني إمتداداً لفرحة المدينة ، حيث التقت الحرفية بالتقاليد ، في تواصل جميل بين أجيال حافظت على سرّ “الهريسة النابلية” كأنها قصيدة حمراء تُروى بالحب والعرق .
اليوم الثالث والأخير
الأحد 19 اكتوبر ، ليُتوّج هذا المهرجان بالعلم والمعرفة.
حيث يحتضن فضاء دار جيلان ندوة علمية ثرية تتناول ثلاثة محاور هامة:
الجودة والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية قدّمها السيد محمد شكري رجب : (الرئيس المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك) ،
ثم مداخلة حول الفوائد الطبية للفلفل للأستاذ الجامعي في الصيدلة رشيد الشملي ،
لتُختتم الندوة بعرض حول منافع المكونات والإضافات في الهريسة النابلية قدّمه الدكتور الصيدلي منجي الشريف .
وفي الوقت نفسه ، تواصلت الورشات المفتوحة للأطفال لصنع الفلفل بعجينة Pâte à sel
، فتزدان الساحة بضحكات الصغار وهم يشكلون فلفلاتهم الصغيرة بأيدي حالمة .
أما ورشة إعداد الهريسة وورشة الفسيفساء فقد إستمرتا في بثّ السحر الفني داخل دار نابل ، بينما قدّم مركز الفنون والثقافة والآداب القصر السعيد عرضاً لطبخ أطباق تقليدية من قليبية، لتتنوع النكهات وتلتقي المدن في حب واحد: حب الفلفل والهريسة.
وفي المساء ، يختتم المهرجان بعرض خاص للشاف أحمد بيشيو.
يقدّم خلاله طبق “العصيدة بالبزاوش والفلفل الأحمر الشايح” ، نكهة من التراث النابلي الأصيل تعبق بالذاكرة وتستفز الحواس .
يتلو ذلك توزيع شهائد المشاركة ، في لحظة إمتنان ووفاء لكل من ساهم في إنجاح هذه الدورة التي حملت شعار “جودة وتراث”، لتغلق دار نابل أبوابها على وعدٍ بلقاء جديد العام المقبل ، حيث يتجدد الفرح وتُروى الحكاية من جديد …
فالهريسة في نابل ليست مجرد منتوج غذائي ، بل ذاكرة متقدة باللون والنكهة والهوية ، تختصر روح المرأة النابلية وصبرها ، وحكاية مدينة تعرف كيف تصنع من الفلفل الأحمر عيداً للحياة .
مهرجان الهريسة بنابل … تراث يتجدد كل عام.
بقلم المعز غني
عاشق الترحال وروح الاكتشاف
مهرجان الهريسة في دورته الحادية عشرة