حين يتحدث القلبُ… يُصغي الضميرُ إجلالًا ويُولد النجاحُ
بقلم / الكاتب أحمد فارس
الضمير الإنساني ليس مجرّد صوتٍ خافتٍ يسكن أعماقنا، بل هو القوّة الخفيّة التي تحفظ توازن العالم بأسره. إنّه النبض الذي يذكّرنا بأنّ قيمة الإنسان لا تُقاس بما يملك، بل بما يمنح، وبما يزرع من طمأنينةٍ وسلامٍ في قلوب الآخرين. فالضمير هو تلك الشعلة التي لا تنطفئ مهما اشتدّ الظلام، والمفتاح الذي يفتح أبواب النجاح الحقيقي لمن يُصغي إليه بصدقٍ وإيمان.
وحين يكون الضمير حيًّا، تتحوّل المهنة إلى رسالة، والعمل إلى عبادة، والنجاح إلى إنجازٍ أخلاقيٍّ خالد الأثر. الموظّف الذي يُتقن عمله في غياب الرقيب، والمعلّم الذي يغرس القيم قبل أن يلقّن الدروس، والطبيب الذي يسهر على راحة مرضاه دون أن ينتظر شكرًا أو مقابلًا — جميعهم يُجسّدون جوهر الضمير الحيّ الذي تُبنى به الأوطان.
ولنا في الواقع والتاريخ شواهد عظيمة لا تُنسى؛ فالسير مجدي يعقوب مثالٌ نادرٌ للضمير الإنساني النقي، إذ كرّس حياته لإنقاذ القلوب الصغيرة، وأجرى آلاف العمليات مجانًا، مؤمنًا بأنّ مهنة الطبّ رسالة إنسانيّة قبل أن تكون وسيلةً للربح. وها هو توماس إديسون، الذي لم يرَ في الفشل هزيمةً بل تجربةً جديدة، قائلًا: «لم أفشل، بل وجدت عشرة آلاف طريقة لا تصلح.» ضميره العلمي جعله يرفض الغشّ، ويؤمن بالاجتهاد والمثابرة في طريق الابتكار.
أمّا الأم تيريزا، فهي الضمير المتجسّد في هيئة إنسانة، كرّست حياتها للفقراء والمرضى دون تمييز، فخلّدها التاريخ رمزًا للرحمة والإيثار.
حتى العامل البسيط والفلاح الأمين، وإن لم يُذكر اسمه في الصحف، إلّا أنّ ضميره هو الذي يجعل الحياة تستمرّ. والمعلم الذي يزرع في طلابه الصدق والانتماء هو من يبني الأمم من الداخل، ويصوغ مستقبلها بإخلاصٍ وإيمان.
أيّها القارئ، في زمنٍ تتسارع فيه الماديات وتبهت فيه القيم، علينا أن نتذكّر أنّ الضمير هو البوصلة التي لا تُخطئ، والحارس الذي لا ينام، والنور الذي لا يخبو مهما اشتدّ الظلام. فحين نصغي إليه، نصنع حضارةً من الأخلاق لا تُهزم، ونترك أثرًا خالدًا في الحياة.
إنّ الحلّ يبدأ من داخل كلّ فردٍ فينا: من الطبيب، والمعلّم، والعامل، والطالب، والسياسي، والإعلامي. فليجعل كلٌّ منّا ضميره قائدًا لا تابعًا، وليكن الصدق، والإخلاص، والعدل طريقنا المشترك نحو غدٍ أفضل.
ختامآ : الضمير … هو النجاح الذي لا يزول، والإنسانيّة التي لا تموت، والنبض الذي يبقى حيًّا اليوم، وغدًا، وإلى الأبد.
حين يتحدث القلبُ… يُصغي الضميرُ إجلالًا ويُولد النجاحُ


