لماذا تُكافئ البنوك المَدينين… ولا تُكافئ المودعين؟
د.علي الدكروري
قراءة أعمق في عقل النظام المالي الحديث
نبذة عن الكاتب
د. علي الدكروري هو المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة CTrustGlobal، إحدى المجموعات الاستشارية الدولية الرائدة في مجالات برامج المواطنة بالاستثمار، والتنقل العالمي، والصناعة، والتعليم، وتطوير الفنادق. يمتلك خبرة ممتدة في العديد من الأسواق الدولية، ويُعرف بإسهاماته في تعزيز الشراكات الحكومية، ودعم الاستثمار المسؤول، وتحفيز التنمية الاقتصادية العابرة للحدود.
لطالما اعتقد معظم الناس أن المودعين هم الركيزة الأساسية للبنوك، باعتبارهم أصحاب الأموال ومصدر السيولة الأهم.
لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون أن البنوك لا تكافئ من يودع… بل تكافئ من يستدين.
هذه العبارة، رغم غرابتها للوهلة الأولى، تعكس جوهر المنظومة المالية العالمية التي تعتمد على حركة الأموال لا على تخزينها؛ على المخاطرة المدروسة لا على الركود؛ وعلى الاقتراض المنتج لا على الادخار السلبي.
المودع: مخاطرة منخفضة… وعائد منخفض
المودعون يبحثون عن الأمان أولاً، ثم العائد ثانيًا.
ولذلك يحصلون على عائد ثابت، محدود، ومتوقع.
من منظور البنوك، الودائع تُسجَّل في دفاترها كـ التزام يجب سداده عند الطلب، وليست مصدر أرباح جوهرية.
ورغم أهمية الودائع كركيزة للسيولة، إلا أن عائدها على البنك منخفض، وبالتالي عائد البنك على المودع يظل منخفضًا بدوره.
بمعنى آخر:
المال “الساكن” لا يحقق قيمة حقيقية… بل يُحافظ فقط على وجوده.
المَدين: مخاطرة أعلى… ربح أكبر للبنك
على الجانب الآخر، يقف المَدين — فردًا كان أو شركة — باعتباره الشريك الحقيقي في دورة الربح.
من يستدين غالبًا يستدين ليُنشئ، ليتوسع، ليستثمر، أو ليفتح نشاطًا جديدًا.
وهنا تتحقق القيمة الحقيقية: الفائدة على القروض، وهي المصدر الرئيسي لإيرادات البنوك.
الفارق بين ما يحصل عليه المودع من عائد وما يدفعه المَدين من فائدة
هو ما يُسمى في عالم المال:
هامش الربح البنكي.
ومع كل حركة استثمارية، يتحرك الاقتصاد، وتدور عجلة الإنتاج، وتُخلق فرص عمل جديدة.
باختصار:
البنوك تكافئ من يدفع الاقتصاد إلى الأمام… لا من يكتفي بالانتظار.
الدَّين ليس المشكلة… طريقة استخدامه هي المشكلة
الاقتراض ليس خطأ.
بل هو أداة اقتصادية رفيعة المستوى، تصنع الثروة حين تُستخدم بذكاء.
هناك من يستدين للاستهلاك… فيغرق.
وهناك من يستدين للبناء… فيصعد.
والبنوك — عبر التاريخ — كانت دائمًا أقرب للمقترض المنتج؛ لمن يحول الدين إلى قيمة، والمخاطرة إلى عائد، والاقتراض إلى تطور.
الدرس الأهم: الأموال تنمو بالعمل… لا بالانتظار
المنظومة المالية الحديثة ترسل رسالة واضحة لكل من يسعى للنمو:
الثروة لا تُصنع داخل الحسابات… بل تُصنع عندما تبدأ الأموال في الحركة.
المودع يحافظ على ما لديه.
أما المَدين الذكي، فيُحوِّل ما لديه إلى مضاعفات.
وفي عالم يتغير بسرعة مذهلة، يزداد الفرق بين الاثنين وضوحًا:
الأول ينتظر… والثاني يبادر.
الأول يحافظ… والثاني يبني.
النهاية
البنوك لا تُكافئ الادخار بقدر ما تُكافئ الجرأة الاقتصادية.
تكافئ من يعتبر المال وسيلة للإنجاز، لا مجرد مدخرات خاملة.
ولهذا تثبت التجربة دائمًا:
من يبني، ويستثمر، ويخلق الفرص… يكسب أكثر ممن يكتفي بالادخار.
لماذا تُكافئ البنوك المَدينين… ولا تُكافئ المودعين؟


