سوف أظل أكتب… حتى يجف حبر قلمي
✍بقلم المعز غني
حتى تجف آخر قطرة حبرٍ في قلمي ،
وحتى تهدأ عاصفتي الداخلية ،
وحتى يسقط عن القلب ذلك العبء الذي أثقل روحه لسنواتٍ لم تكن عادلة .
سأكتب عن تلك الخيبة التي جاءتني متنكرة في هيئة حلم ،
وعن ذلك الوهم الذي صدقته بكل صدقٍ طفولي ،
وكأنني كنت أمدّ يدي للضوء ،
فأمسكتُ في النهاية … بظلٍّ بارد ، لا حياة فيه .
سأكتب عن رشاقة الثقة حين تُمنح لمن لا يستحق ،
وعن طيبة القلب حين تُلقى في غير مكانها ،
وعن تلك اللحظة التي يكتشف فيها المرء
أنه كان يرى بعينيه … لكنه لم يكن يُبصر حقًا .
لقد كنتُ أرسمه في مخيلتي إنسانًا نادرًا ،
نقيًّا ، صادقًا ، وفيًّا ،
أعطيته مقامًا لا يليق إلا بالأنبياء ،
وحفرت له في روحي مكانًا لا يُمنح إلا للعظماء .
كنت أراه معدنًا ثمينًا لا يصدأ ،
حتى إكتشفتُ أنه كان مجرد طلاء رخيص ،
يتقشّر عند أول أختبار ،
وأول خذلان .
أجل …
صفعتني الحقيقة بقسوة ،
فانكشفت أقنعته كلّها دفعة واحدة .
ماكر ، مخادع ، منافق ،
يتقن لعبة الزيف ويتنقّل بخفة بين الوجوه ،
كأنما الصدق عيبٌ يخشاه ،
والوفاء كلمة لا يعرف لها معنى .
لكنني اليوم لا أكتب لأشكو ،
ولا لأُرثي قلبي ،
فالحزن لم يعد يسكنني كما كان .
أنا أكتب لأطهّر داخلي ،
لأغسل روحي من أثره ،
لأعلن أمام نفسي— قبل العالم —
أن خسارته لم تكن خسارة ،
بل كانت نجاةً متأخرة … لكنها نجاة .
أكتب لأتخفف من عبء الألم ،
وأمنح نفسي حق الشفاء .
أكتب لأقول إنني خرجتُ من تلك التجربة
أكثر وعيًا ،
أشدّ صلابة ،
وأقدر على أن أميّز بين الذهب الحقيقي
وبين اللمعان الزائف .
وسأظلّ أكتب …
ما دام في الصدر نبضٌ
وفي الروح حكاية
وفي القلب أثرٌ يستحق أن يُقال .
سأظل أكتب ،
حتى يجف حبر قلمي …
ولا يجفّ صدقي ،
ولا تخذلني عزة نفسي يومًا .
هنا نابل
سوف أظل أكتب… حتى يجف حبر قلمي


