نحو ضمير وطني يصون الاختيار ويواجه التلوث الأخلاقي
د. م.مدحت يوسف – 27 / 11 / 2025
في ظل ما تشهده الدولة من تقدم علمي وتنموي كبير وفي ظل توجيهات القيادة السياسية الواضحة للشعب بأن لا ينجرف نحو المفسدين وأن يجعل من النزاهة والأخلاق معياراً للاختيار، أصبح هذا التوجيه بمثابة ميثاق قيم وأخلاق يجب أن يلتزم به كل مواطن. فقد أكدت القيادة مراراً أن مواجهة الفساد ليست مسؤولية مؤسسات الدولة فقط بل مسؤولية المجتمع كله، وخاصة المواطن عند لحظة الاختيار.
ولأن الحقائق يجب أن تُقال بموضوعية ودبلوماسية فإن ما نراه في بعض المراحل الانتخابية يُظهر صورة من صور التلوث الأخلاقي الذي يمارسه البعض من المرشحين وبعض الناخبين، دون تعميم. هناك من استسهل الطريق، فـ أراح باله واشترى الكرسي بالملايين، وهناك من ما زال يخوض معركة «انتحارية» لإنفاق أموال بلا حدود، فقط ليظفر بمقعد البرلمان. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يدفع البعض الملايين؟ ولماذا يلهث البعض إلى حد الهوس من أجل مقعد كان يجب أن يكون تكليفاً لا تشريفاً؟
إن من ينفق مبالغ جنونية بلا مبالاة لا يفعل ذلك حباً في الناس أو رغبة في خدمتهم، لأنه لو كان خيّراً بحق لكان الخير قد ظهر قبل الانتخابات، لا عند صناديقها. الخير الحقيقي لا يُشترى ولا يُباع، بل يُقدَّم خالصاً لله، لا يُعلن ولا يُفاخر به، ولا يُستخدم لاستمالة الناس أو شراء أصواتهم. وما يجب التحذير منه أن بعض من يدّعون فعل الخير يفعلونه اليوم للتأثير على الناخب لا لوجه الله، فينشرون، ويُظهرون، ويستغلون حاجة الناس ليفرضوا أنفسهم قادةً وهم لا يملكون من صفات القيادة إلا الاسم.
وفي المقابل، نجد من المواطنين من يفيقون إلى الحقيقة، ويُدركون قيمة صوتهم، ويعرفون أن مقعد البرلمان ليس ساحة للتجارة، بل أمانة ومسؤولية وطنية. هؤلاء يدركون أن من يشتري صوتاً اليوم سيبيع الوطن غداً، وأن من يبحث عن الحصانة لا يبحث عنها إلا لحماية مصالحه، لا لحماية مصالح الناس.
الموقف اليوم بين يدي المواطن.
إن اختيار النائب ليس مجرد إجراء انتخابي، بل اختبار أخلاقي، وميزان لضمير المجتمع. هناك مرشحون شرفاء اجتهدوا بصدق، وتقدموا بإمكاناتهم لا بأموالهم، وهؤلاء هم من يحتاجون دعم من يحافظون على ضمائرهم ولا ينصاعون للإغراءات.
لقد حذرت القيادة السياسية بوضوح من الانجراف خلف منظومة الفساد الأخلاقي، ودعت المواطنين إلى اختيار الأصلح، مؤكدة أن الدولة لن تحمي فاسداً وأن زمن الحصانة المصطنعة قد انتهى. وهذا الوعي الذي تبثّه القيادة هو خط الدفاع الأول ضد تآكل القيم.
إن الفرصة اليوم بين أيدي الناس.
فرصة لمواجهة فساد البعض وقطع الطريق على من يعتبر المقعد سلعة وعلى من يمارس “غسيل أموال” تحت ستار الانتخابات، وعلى من يشتري النفوذ ويبيع القيم.
فرصة لقول كلمة: كفى.
وفي النهاية، ما زال في المجتمع خير كثير، وما زال في الناس من يميز، ومن يرفض ومن يصون صوته ووطنه. والمستقبل سيكتبه من اختار ضميره قبل اختياره ووطنه قبل مصالحه وشرفه قبل المال.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
نحو ضمير وطني يصون الاختيار ويواجه التلوث الأخلاقي


