الجزائر تَصدَح تحت قبة الأمم المتحدة وتنقض على خطة ترامب
بقلم: نبيل ابو الياسين
في لحظة فارقة أعادت تعريف موازين القوى الدبلوماسية، استطاعت الجزائر أن تحوّل قاعة مجلس الأمن من منصة للترويج لـ”خطة ترامب” المواتية للاحتلال إلى ساحة للمواجهة القانونية والسياسية. فبينما كان المشروع الأمريكي يُقدّم وكأنه أمرٌ مفروغٌ منه، جاءت الدبلوماسية الجزائرية بحرفية المحامي المدافع عن القضايا العادلة، لتمزّق ورقة القرار المفترض وتعيد كتابتها بمداد إرادة المجتمع الدولي الصامتة. ولم تكن التعديلات مجرد كلمات، بل كانت ضربات استراتيجية محسوبة في خاصرة المشروع الأصلي، حوّلت مساره من شرعنة الأوضاع القائمة إلى إطار يحمل بذور حل حقيقي. وفي بيان يُعد وثيقة تاريخية، يحلل الخبير نبيل أبوالياسين كيف حوّلت الجزائر هزيمة الدبلوماسية العربية المتوقعة إلى نصرٍ للكرامة والإرادة.
وأشادت دولة فلسطين، عبر ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، بالدور “المحوري والريادي” الذي لعبته الجزائر في تعديل مسار القرار الأممي. وأوضح منصور أن الجهود الدبلوماسية الجزائرية المستمرة والدؤوبة كانت حجر الزاوية في صون الحقوق الفلسطينية المشروعة، مؤكدًا أن التعديلات التي قدمتها الجزائر جاءت لتعكس الصوت العربي والإسلامي الحقيقي، وتضمنت رؤية واضحة لتحقيق سلام عادل وشامل، يحفظ للشعب الفلسطيني كرامته ومستقبله.
وأضاف نبيل أبوالياسين، الباحث البارز في الشأن العربي والدولي، أن التعديلات الجزائرية لم تكن ترفًا دبلوماسيًا، بل كانت ضرورة حتمية لإنقاذ القرار من الانزلاق نحو تأبيد الوضع القائم. ولفت أبوالياسين إلى أن الدبلوماسية الجزائرية عملت بحرفية عالية على أربعة محاور أساسية: أولها، حفظ وقف إطلاق النار وضمان استمراريته كشرط غير قابل للمساومة لإنقاذ المدنيين. ثانيها، تمكين حق تقرير المصير وتجسيد المشروع الوطني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، وهو ما كان مغيبًا في النص الأصلي.
وأوضح المحلل أبوالياسين أن التعديل الثالث والأهم تمحور حول تسريع وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق ورفض أي سياسة للتجويع الجماعي. ولفت إلى أن النص الجزائري أغلق باب المناورة أمام أي تأويل قد يسمح بتحويل غزة إلى سجن مفتوح. وأكد أن التعديل الرابع كان حاسمًا في رفض ورفض أي مخططات للتهجير القسري للفلسطينيين، وهو ما كان يشكل هاجسًا رئيسيًا للشعب الفلسطيني، محطمًا بذلك أحد أبرز أهداف الخطة الأمريكية-الإسرائيلية
ولفت أبوالياسين إلى أن ما ميز المواقف الجزائرية تحت قبة الأمم المتحدة، خاصة منذ انضمامها كعضو غير دائم في مجلس الأمن، هو ثباتها الشجاع وحدتها الأخلاقية التي لا تعرف المساومة. وأشار إلى أن السفير الجزائري عمار بن جامع حوّل المنصة الدولية إلى منبر للضمير العالمي، حيث واجه بخطاباته القوية التي لا تهادن سياسة الفيتو الأمريكية التي تمارس لإطالة أمد الإفلات من العقاب، ووصف الجرائم بأسمائها الحقيقية دون مواربة، مذكرًا الجميع بأن التاريخ لن يرحم المتواطئين.
وأكد أبوالياسين أن الدور الجزائري تميز بكونه صوتًا عربيًا صادقًا واحدًا في غرفة تهيمن عليها الأجندات الغربية، مشيرًا إلى أن الجزائر رفضت رفضًا قاطعًا لغة الترهيب والتفريط في الثوابت. ولفت إلى الصدامات الحادة، لا سيما حين استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو ضد قرار وقف إطلاق النار الذي قدمته الجزائر في فبراير 2024، وهي اللحظة التي وجه فيها المندوب الجزائري رسالة قوية قال فيها: “على من فشل في الاستماع إلى نداءات العالم أن يراجع سياسته… صوتنا هو صوت العدالة والضمير”. مؤكدًا أن هذه المواقف هي التي مهدت الطريق لنجاحها الأخير في تعديل خطة ترامب.
وفي ختام بيانه التاريخي، أطلق أبوالياسين تصريحاً كالصاعقة: ما جرى في أروقة الأمم المتحدة لم يكن نقاشاً دبلوماسياً تقليدياً، بل كان ملحمة من ملاحم الصراع بين إرادة الحياة وإرادة الإفناء. لقد وقفت الجزائر كالجدار الأخلاقي الأخير أمام آلة غاشمة تطحن البشر والحقوق معاً. هذه الدبلوماسية التي تنبعت من رحم ثورات التحرر، لم تكن لتساوم على مبادئها، فكانت كالطود الشامخ لا تزعزعه العواصف. لقد كتبت الجزائر بموقفها هذا رسالة إلى التاريخ: أن الحق قد يغيب وقتاً، لكن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن غداً مشرقاً سيأتي لا محالة، تحمله سواعد أمثال هذه الأمة التي ترفض الموت.
الجزائر تَصدَح تحت قبة الأمم المتحدة وتنقض على خطة ترامب


