أنا الاستثناء … ووحيد القَرْن حين يولد الإنسان مختلفًا عن الآخرين
بقلم المعز غني
تعجبني نفسي …
تلك التي عرفت كيف تعبر الجراح دون أن تُحدِث ضجيجًا ، وكيف تبتسم والوجع يستوطن الضلوع ، وكيف تُخفي انكساراتها في جيوب الصمت كي لا تُثقل على أحد.
تعجبني نفسي التي عانت وضحكت ، تناست ودفنت ماضيها بكل ما فيه من خيبات ووداعات مؤلمة ، ثم نهضت من رمادها نظيفة القلب ، خفيفة الروح ، وكأنها لم تُصَب يومًا .
تعجبني نفسي العنيدة …
التي أتقنت فنّ إخفاء الألم خلف قناع الطمأنينة ، تُربّت على أكتاف الآخرين وهي أحوج إلى من يربّت عليها.
تبدو قوية، ثابتة ، لا تنكسر ، رغم أن بداخلها بركانًا من الأسئلة والدموع المكبوتة.
أتقنت أن تُعيد ترتيب فوضاها كل مساء ، وأن تجمع شظاياها مع الفجر لتصنع منها /رجلًا جديدًا ، أرقّ قلبًا وأصلب عزيمة .
تعجبني نفسي العاشقة للتمرّد …
الأنيقة في ذاتها ، التي تسرق من الحياة فرحتها ولو كانت مسروقة من بين أنياب القسوة . تناور الحياة بإبتسامة وتراوغ الحزن بنكتة ، تُجيد تقمّص الأمل حتى في اللحظات التي يتعرّى فيها في داخلها . وكأن الدمع لا يكسوها إلا ليَغسلها من ثقل الأيام ، لتخرج أنقى ، أصدق ، أكثر عشقًا للضوء.
وكأنني خُلِقتُ وحيدًا دون أشباهي الأربعين …
لا شبيه لي إلا انعكاسي في مرآتي.
أقف أمامها فأرى في عينيّ سيرة حرب طويلة إنتهت بهدنةٍ أسمها الرضا ، وألمح في قسمات وجهي خرائط جراحٍ تحوّلت شوارع للعبور لا للاحتجاز.
أنا وحيد القَرن في قطيعٍ يبحث عن نسخٍ متشابهة ، وأنا أبحث عن ذاتي كما هي ، بلا زيف ، بلا أقنعة ، بلا أستعارات مكسورة .
لن يجود الزمان بمثلي …
لا غرورًا ، بل أمتنانًا لمن صقلني بهذه القسوة حتى صرتُ ما أنا عليه .
لن يجود الزمان بمثلي لأنني تعلّمت أن أكون نفسي حين أرادت الظروف أن تُحوّلني نسخةً باهتة . لأنني تعلّمت أن أعيش بقلبي رغم أن القلب تعِب ، وأن أُصدّق الحلم ولو كذّبته الوقائع ، وأن أرى في الخيبة درسًا لا لعنة .
تعجبني نفسي …
لأنها حين تُجرَح ، تُزهر.
وحين تُخذل ، تسامح .
وحين تُتعب ، تُصلّي بصمت .
تعجبني نفسي التي إختارت أن تكون وطنًا لا منفى ، وأن تصير يدًا لغيرها حين يُرخي العالم قبضته عنهم.
أنا تلك الروح التي تُكرِم عثراتها وتُسميها طريقًا ، وتُصافح ليلها وتسمّيه معلّمًا .
وفي آخر الإعتراف …
أبتسم لنفسي كما تُبتسم لأيقونة نجّتْ من غرقٍ طويل.
نعم ، تعجبني نفسي لأنها ببساطة نجَت … ولم تُنقِصْها النجاة ، زادتها .
” بقلم المعز غني عاشق الترحال وروح الاكتشاف “
أنا الاستثناء … ووحيد القَرْن حين يولد الإنسان مختلفًا عن الآخرين


