الرئيسيةاخبار عربيةخريطة الإصلاح الجديدة… ماذا وراء قرار تصفية ودمج وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية؟؟
اخبار عربية

خريطة الإصلاح الجديدة… ماذا وراء قرار تصفية ودمج وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية؟؟

خريطة الإصلاح الجديدة… ماذا وراء قرار تصفية ودمج وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية؟؟

 

بقلم الجيوفيزيقي: محمد عربي نصار

 

مقدمة: قرار ليس عابرًا… بل تحوّل في بنية الدولة

في مشهد اقتصادي تتداخل فيه التحديات مع الحاجة الملحّة لإصلاح عميق، خرجت الحكومة بملف يُعد من أكبر عمليات “الجراحة المؤسسية” في تاريخ الهيئات الاقتصادية: تصفية 4 هيئات، دمج 7 هيئات، والإبقاء على 39 هيئة، وتحويل 9 أخرى من هيئات اقتصادية إلى هيئات عامة.

قرارٌ لم يأتِ من فراغ، ولم يكن نبتة لليلة واحدة؛ بل حصيلة مراجعة دقيقة لـــ 59 هيئة اقتصادية في المرحلة الأولى من عمل لجنة إصلاح وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية.

هنا، لم تعد المسألة أرقامًا على ورق، بل تصحيح مسار دولة وإعادة رسم خط أدوارها الاقتصادية والخدمية.

خلفية الأزمة: لماذا بدأ الإصلاح الآن؟

الهيئات الاقتصادية، منذ عقود، سيطرت على مساحات ضخمة من النشاط العام في مصر. بعضها ناجح، وبعضها الآخر تحوّل إلى عبء على الموازنة، أو ظل في منطقة رمادية بين الربحية والخدمة.

ومع تحولات عالمية وإقليمية، واحتياجات داخلية لرفع كفاءة أصول الدولة، جاء القرار ليجيب على أسئلة ظلت معلّقة لسنوات:

هل تحتاج مصر لكل هذه الهيئات؟

ولماذا تتكرر الأدوار بين جهات متشابهة؟ح

وهل من المنطقي أن تبقى بعض الهيئات الاقتصادية في نشاط خِدمي لا يمكن أن يحقق ربحًا؟

 

وإلى متى تتحمل الموازنة خسائر كيانات لا تُنتج ولا تتطور؟

 

قرار الإصلاح جاء ليضع هذه الأسئلة على الطاولة… ولأول مرة يتم التعامل معها بجرأة ووضوح.

 

القصة من البداية: 59 هيئة تحت المجهر

 

لجنة إصلاح وإعادة الهيكلة قلبت ملفات 59 هيئة في المرحلة الأولى. تم تحليل:

 

ميزانيات السنوات الأخيرة

 

الديون والالتزامات

 

الأصول وما إذا كانت مستغلة أم مجمدة

 

التشابه الوظيفي بين الهيئات

 

الجدوى الاقتصادية

 

الدور الاستراتيجي والأهمية الأمنية والخدمية

 

وبعد أشهر من الفحص، خرجت اللجنة بخريطة جديدة للقطاع:

 

● الإبقاء على 39 هيئة اقتصادية

 

لأنها تمتلك قدرة على تحقيق فائض، أو تلعب دورًا استراتيجيًا لا يمكن التفريط فيه.

 

● تصفية 4 هيئات

 

لأنها فقدت مبررات وجودها:

نشاط متوقف، خسائر بلا أفق، أو أدوار يمكن أن تتم داخل هيئات قائمة دون تكرار للجهود.

 

● دمج 7 هيئات في أخرى

 

لإنهاء الازدواجية وترشيد الإنفاق وتوحيد القرار.

 

● تحويل 9 هيئات من اقتصادية إلى عامة

 

لأنها تقدم خدمة أساسية لا يُقاس نجاحها بالربحية، بل بأثرها الاجتماعي.

 

ماذا يعني “تصفية” هيئة اقتصادية؟

 

ليس مجرد إغلاق باب ووضع لافتة. بل عملية معقدة تشمل:

 

تقييم الأصول

 

حصر الديون

 

تسوية حقوق العاملين

 

إنهاء العقود والالتزامات

 

نقل الاختصاصات لجهات أخرى

 

إطفاء الكيان قانونيًا

 

التصفية هنا ليست انتقامًا من الماضي، بل تنظيف أرضية لاقتصاد أكثر انضباطًا.

 

الدمج… حين تتحدث الدولة بصوت واحد

 

الدمج لا يعني خسارة كيانات، بل تجميع القوة بدل تشتيتها.

عندما تجتمع 3 أو 4 هيئات متقاربة في النشاط داخل كيان واحد:

 

القرار يصبح أسرع

 

الإدارة أكثر انسيابية

 

الموارد تُستغل بشكل أفضل

 

المصروفات الإدارية تنخفض

 

وتظهر هوية مؤسسية أقوى وأكثر وضوحًا

الدمج هو انتقال من “دولة المؤسسات المتفرقة” إلى “دولة المؤسسات القوية”

التحويل من اقتصادي إلى عام… تصحيح هوية

هناك أنشطة لا ينبغي أن تخضع لمنطق الربح والخسارة:

خدمات اجتماعية

دعم فني أو إرشادي

أنشطة رقابية

مجالات ذات طبيعة إنسانية أو قومية

هذه الهيئات حين تُصنف كاقتصادية تُظلَم ويُظلَم العاملون بها.

أما تحويلها إلى هيئات عامة، فهو اعتراف رسمي بطبيعتها الحقيقية.

التأثير المتوقع: إصلاح الدولة من الداخل

1) على الموازنة العامة

خفض الخسائر المزمنة، التخلص من كيانات غير فعّالة، وتعظيم الفوائض من الهيئات القادرة على الربح.

2) على الاستثمار والقطاع الخاص

عندما تتراجع ازدواجية الأدوار بين الدولة والقطاع الخاص، تصبح البيئة الاستثمارية أكثر وضوحًا واستقرارًا.

3) على الحوكمة والإدارة

تحسين المتابعة والمساءلة، وربط الأداء بمؤشرات حقيقية، وليس بأوراق إدارية صامتة.

 

4) على العاملين

 

الإصلاح الحقيقي لا يكتمل دون:

إعادة توزيع عادل – تدريب – تعويضات – ومصارحة شفافة.

وهذه الملفات ستكون اختبارًا سياسيًا واجتماعيًا مهمًا في المرحلة المقبلة.

التحدي الأكبر: هل تنجح المرحلة الثانية؟

المرحلة الأولى انتهت بوضع الخريطة.

لكن المرحلة الثانية—وهي الأهم—ستحسم النجاح:

إعادة هيكلة كل هيئة باحتراف

خطط تحسين الأداء

إصلاح مالي وتشغيلي

تحديد موارد ذاتية جديدة

تطوير الإدارة والحوكم

استغلال الأصول غير المستغلة

دمج الكيانات فعليًا وليس شكليًا

السؤال هنا: هل ستتحول الخطة إلى واقع؟ أم تظل “توصيات” محفوظة في ملفات الحكومة

خاتمة: خطوة جريئة… لكنها بداية الطريق

قرارات الهيكلة الأخيرة ليست النهاية؛ بل نقطة بداية لإعادة تصميم دور الدولة الاقتصادي بدقة ومسؤولية.

نجاحها سيعني:

 

دولة أخفّ…

 

مؤسسات أقوى…

 

موارد مُدارة بكفاءة…

 

وقطاع عام قادر على المنافسة بدل الدفاع عن خسائره.

أما فشلها، فسيتركنا أمام نفس الأسئلة التي كانت مطروحة منذ عقود، دون إجابة.

وفي زمن تتغير فيه الاقتصادات بسرعة الضوء، لا تملك الدولة رفاهية التأجيل.

الإصلاح الحقيقي يبدأ حين تنظر الدولة لنفسها في المرآة… وتقرر أن تتغير.

خريطة الإصلاح الجديدة… ماذا وراء قرار تصفية ودمج وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *